ما صحبك إلا من صحبك و هو بعيبك عليم، و ليس ذلك إلا مولاك الكريم.

   قلـت: و إذا علمت أنه ليس لك صاحب إلا مولاك، فاعرف حقيقة صحبتك و الزم الأدب في ظاهرك و باطنك، و استحي منه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لأصحابه: " استحيوا من الله " قالوا إنا نستحيي و الحمد لله، قال لهم: " الحياء من الله حق الحياء، هو أن تحفظ الرأس و ما حوى و البطن و ما وعى و تذكر القبر و البلى، فمن فعل ذلك استحيى من الله حق الحياء "/.

   فالصاحب الذي يدوم لك هو الذي يصحبك، و هو عالم بعيبك، لأن ذلك داعي للسلامة من التكلف و الرياء و التصنع، و ليس ذلك إلا مولاك العالم بخفاياك، المطلع على سرك و علانيتك، إن عصيته سترك، و إن اعتذرت إليه قبل عذرك، و قد قيــل: من الحكمة في قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم ) مع أن الكل ملكه ثلاثة أشياء:

   أحدها، البشارة بعدم الرد بالعيب لأن المشتري عالم به..

   ثانيها: ليسلم العبد نفسه إليه، فيتولى تدبيره، إذ لا يتم بيع إلا بالتسليم، و لا كفالة إلا بعد إقباض..

   ثالثـا: إظهارا لتمام الفضل، و في ظهور النسبة لله سبحانه، و ذكر الصحبة في جانب الحق وقعت في حديث أنت الصاحب في السفر، و اختلف في إطلاقه في غير ذلك المحل، و الظاهر أن الشيخ يرى ذلك في محل إشارة الأدب و الانحياش، و عليه مر أبو حامد الغزالي في بعض كتبه (قاله الشيخ زروق رضي الله عنه)..

   و اعلم أن الأمر الذي يرغب في الصحبة، و يعقد المحبة و المودة، أمران:

   أحدهما ما تقدم من كون الصاحب يغطي شينك بحلمه، و يستر وصفك بوصفه..

   و الثاني، كونه يحبك، و يطلبك إلى حضرته من غير غرض و لا منفعة له في صحبتك..

   و إلــى الثاني أشار بقـولــه:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire