الستر على قسمين: ستر عن المعصية و ستر فيها، فالعامة يطلبون من الله الستر فيها، خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق، و الخاصة يطلبون الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق.

   قلـت: الستر هو الحفظ و التغطية، و هو في الحس من الآفات و البليات التي توجب هلاكه، و في المعنى هي الفضيحة و المقت و سقوط المرتبة، و هو باعتبار المعصية على قسمين:

   قسم يقع الستر فيها، فلا يفضح صاحبها،..

   و قسم يقع الستر عنها فلا يقع العبد فيها، و لو طلبها لما شمله من حفظ الله و رعايته..

   فالعامة يطلبون الستر من الله فيها مع وقوعها لئلا يسقطوا من عين الخلق، فهم يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله، و هو معهم، و الله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين، فمحط نظرهم إنما هو شهود الخلق، غائبين عن نظر الملك الحق، و ذلك لضعف إيمانهم و قلة يقينهم و انطماس بصيرتهم..

   و في بعض الأخبار يقول الله تبارك و تعالى: عبادي إن كنتم تظنون أني لا أراكم، فالخلل في إيمانكم، و إن كنتم تعتقدون أني أراكم، فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم /.

   و أما الخاصــة، فهم يطلبون من الله الستر عنها، و العصمة منها خشية أن يسقطوا من عين الحق، لأن صدور المعصية من العبد سوء أدب، و من أساء الأدب مع الأحباب طرد إلى الباب، فإذا وقعت منهم معصية بادروا إلى الاعتذار و صحبهم الخجل و الانكسار، ثم جدوا في سيرهم، و لم يقفوا مع نفوسهم، إذ لا وجود لها في نظرهم، و لا التفات لهم إلى الخلق، إذ لم يبق في نظرهم إلا الملك الحق، غابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق، أو بشهود المعنى عن رؤية الحس، أو بشهود الموسوط عن الواسطة..

   و أما خاصة الخاصــة، فلا يطلبون شيئا و لا يخافون من شيء، صارت الأشياء عندهم شيئا واحدا، استغنوا بشهود الواحد عن كل واحد، فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقونه بالقبول و الرضــا، فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة و إن كان معصية شهدوا فيها القهرية، و تأدبوا مع الله فيها بالتوبة و الانكسار، قياما بأدب شريعة النبي المختار صلى الله عليه و سلم..

   و قد وردت أحاديث في المقامات الثلاث تعليما للأمة، فقد دعا عليه الصلاة و السلام بالستر على المساوي و منها، و هي العصمة و الحفظ و طلب مقام الرضا و التسليم لأحكام الله القهرية، كل ذلك منشور في كتب الأحاديث فلا نطيل به..

   ثم إذا ستر الحق مساويك و ذنوبك، ثم توجه الناس إليك بالتعظيم و التمجيد و التكريم، فاعرف منة الله عليك، و انظر من الممدوح في الحقيقة، هل أنت أو من ستر عيوبك و مساويك، كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire