لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلا للقبول، أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته.

 لــولا جمــيل ستـره لـم يكـن عمل أهـلا للقبــول

   قلـت: لأن العمل الذي يكون أهلا للقبول هو الذي تتوفر فيه شروط القبول، و هو سر الإخلاص و غاية الحضور، و التبري فيه من الحول و القوة، و هذا في غاية النذور، فلولا أن الله سبحانه و تعالى تفضل علينا بجميل ستره فغطى مساوينا بجميل لطفه و بره، ما كان عمل أهلا للقبول أصلا، و لكن الذي مـنّ بوجود الأعمال، يمـنّ بوجود القبول و الإقبال، قال بعضهم: ما هنــاك إلا فضله، و لا نعيش إلا في ستره، و لو كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيـم، و قال يحيى بن معاد رضي الله عنه: مسكين ابن لآدم، جســم معيب و قلـب معيب، يريد أن يخرج من معيبيـن عملا بلا عيب/.

   قلـت: و لهذا المعنى قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ) الأحقاف16، فعبر بعن التي تدل على التجاوز، و لم يقل نتقبل منهم، فكأنه قال: أولئك الذين نتجاوز عنهم في أعمالهم فنتقبلها منهم، و الله تعالى أعلم.

   و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: " البلاء و الهوى و الشهوة معجونة بطين ابن آدم "

قيل: هو معنى قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) الإنسان2، أي أخلاط، فاختلط به البلاء و الهوى و الشهوة، فركب ابن آدم منها، فلزمته الثلاثة، ما دامت بنيته قائمة و بشريته موجودة، فإذا انهدمت البشرية حسا أو معنى، لم يبق حكم النطفة الإمشاجية، و صار الحكم للروح النورانية، و الله تعالى أعلــم.

   فإذا تقرر أن عملنا مدخول و ليس أهلا للقبول لولا جميل ستره المأمول، علمت أن افتقارنا إلى علمه و عفوه في حال الطاعة أعظم من افتقارنا إليه في حال المعصية كما أبان ذلك بقوله:

 

أنت إلى حلمه إذا أطعته أحـوج منك إليــه إذا عصيتــه

   قلـت: لأن الطاعة بساط العز و الرفعة، و للنفس فيها شهوة و متعة، و لأن الناس يلحظون صاحب الطاعة الظاهرة، و ينظرونه بعين التعظيم، و يبادرون إليه بالخدمة و التكريم، و كل ما عظم في عين الخلق سقط في عين الحق إن كان يفرح بذلك، و يقنع به دون الملك الحق، بخلاف المعصية، فإنما هي بساط الذل و الانكسار، و محل السقوط و الاحتقار، و كل ما سقط من عين الخلق عظم في عين الحق، فكان العبد في حال طاعته لربه أحوج إلى حلمه و عفوه منه في حال معصيته، لأن الطاعة التي ينشأ عنها العز و الاستكبار أقبح من المعصية التي تورث الذل و الافتقار، بل في الحقيقة ليست بطاعة، لأن الطاعة التي توجب البعد ليست طاعة، و المعصية التي توجب القرب ليست بمعصية..

   و في الحديث يقول الله تبارك و تعالى:" أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" و من كان الله عنده فهو أعظم من ألف مطيع توجب له طاعته طرده و بعده..

   أوحى الله إلى بعض الأنبياء عليهم السلام، قل لعبادي الصديقين لا يغتروا، فإني إن أقم عليهم عدلي و قسطي أعذبهم غير ظالم لهم، و قل لعبادي الخاطئين، لا ييأسوا من رحمتي فإنه لا يكبر علي ذنب أغفــره /.

   و قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه: توبة المعصية واحدة، و توبة الطاعة ألف توبة، و كان صلى الله عليه و سلم إذا صلى استغفر ثلاثا تعليما للأمة في شهود التقصير، و إلا فلا استغفار من طاعة و لا ذنب على المختار صلى الله عليه و سلم.

   و لما كانت المعصية بساط الذل و الاحتقار كما تقدم، و هي أقرب لمقام العبودية، و الطاعة بساط العز و الرفعة، فافتقرت إلى حلم الله أكثر، صار الناس يطلبون الستر في المعصية أو عنها، خوفا مما ينشأ عنها، كما أبان ذلك بقوله:

   الستر عن المعصية و الستر فيهــا

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire