ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، و لا أسرع بالمواهب لديك مثل الذلة و الافتقار.

   قلـت: إنما كان طلب العارفين بلسان الحال دون المقال لما حققهم به من وجود معرفته حتى شهدوا منته في محنته، و نعمته في نقمته، فإذا تجلى لهم بالقوة و الجلال، تلقوه بالضعف و الإذلال، فحينئذ يتجلى لهم باسمه الجميل فيمنحهم كل جميـل، و إذا تجلى لهم باسمه العزيز أو القهار، تلقوه بالذلة و الافتقار، فتتوارد عليهم المواهب الغزار، فإذا أردت أيها العارف أن تطلب من مولاك شيئا جلبا أو دفعا، فعليك بالاضطرار، و الاضطرار هو أن يكون في الغريق في البحر، أو الضال في التيه القفر، و لا يرى لغيابه إلا مولاه، و لا يرجو لنجاته من هلكته أحدا سواه، فما طلب لك من مولاك شيء مثل اضطرارك إليه، و الوقوف بين يديه، متحليا بحلية العبيد، هناك تنال كل ما تريد كما قال الشاعر:

أدب العبيد تذلل

و العبد لا يدع الأدب

فإذا تكامل  ذله

     نال  المودة  و اقترب

و قال آخــر:

و ما رمت الدخول عليه حتى

حللت  محلة   العبد    الذليل

و أغضيت الجفون على قذاها

و صنت النفس عن قال و قيل

   و إذا أردت ورود المواهب عليك، و هي العلوم اللدنية و الأسرار الربانية، فلا شيء أسرع لك بها مثل الذلة و الافتقار بين يدي الحليم الغفار، يكون ذلك قلبا و قالبا، فينبغي لك حينئذ أن تستعد لكتب المواهب و نيل المراتب، قال تعالـى: (إنما الصدقات للفقراء و المساكيــن) التوبة60، و قال تعالـى: ( أمن يجيب المضطر إذا دعـاه) النمل62، و قال تعالى: (و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلــه) آل عمران123، و قال صلى الله عليه و سلــم:" إن النصر مع الصبر و إن الفرج مع الكرب و إن مع العسر يسرا " و قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه: ما أظهر عبد فاقة إلى الله في شيء إلا قال تعالى للملائكة:" لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته لبيك لبيـــك " /.

   فإذا طلبت الدخول مع الأحباب، فقف ذليلا حقيرا بالباب حتى يرفع بينك و بينهم الحجاب من دون حيلة منك و لا أسباب، و إنما هو فضل من الكريم الوهاب كما أشار إلى ذلك بقولــه:

 

الوصول إلى الله لا يكون إلا بفضله سبحانه

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire