لا تطلب عوضا عن عمل لست له فاعلا، يكفي من الجزاء لك على العمل إن كان له قابلا.

   قلـت: قد تقرر عند أهلا الحق أن العبد مجبور في قالب مختار، فليس له فعل و لا اختيار، و إنما الفاعل هو الواحد القهار، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)القصص68، و قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)الصافات96، و قال تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير29، و قال صلى الله عليه و سلم: " كل شيء بقضاء و قدر، حتى العجز و الكيس"، أي النشاط، و قال عليه السلام: " كل ميسر لما خلق له، فأما من كان من أهل السعادة، فسييسر لعمل أهل السعادة، و أما من كان من أهل الشقاوة، فسييسر لعمل أهل الشقاوة،" ثم قرأ صلى الله عليه و سلم:  (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى .. الآية)

   فإذا تقرر هذا، فكيف يطلب العبد الأجر على عمل ليس هو فاعله، و على تقدير نسبته إليه، فالجزاء متوقف على القبول، فمن أين تدري هل يكون مقبولا أو لا، و إذا تفضل عليك بالقبول على ما هو عليه من النقص و الخلل، فهذا يكفيك في جزائك على العمل، فلولا جميل ستره لم يكن عمل أهلا للقبول، فلولا أن الله تعالى تفضل على عباده بالعفو الحلم ما قبل عمل قط، إذ تصفية الأعمال كادت أن تكون من المحال، قال تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الأنعام91، أي عظموه حق تعظيمه، و قال تعالى: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)عبس23، أي لم يقض الانسان ما أمره سيده و مولاه على الوجه الذي أمر به و انظر قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) الأحقاف16، لم يقل الحق تعالى نتقبل منهم لأنه يقتضي أنه كامل، بل عداه بالعين المفيدة للتجاوز، كأنه قال، أولئك الذين يتجاوز عنهم في أحسن ما عملوا، فنتقبلها منهم، و لو لم يتجاوز عنهم فيها ما تقبلت منهم، و لكن الكريم لا ينتقد، بل يقبل كل ما يعصاه لعظيم كرمه و غناه..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire