تنبيه في كلمة مرض و شفاء..

سبق ذكر ما جاء في سياق آية واحدة من كتاب الله: (وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ).. و تعتبر الحالة كأصل في كل الحالات، و الحكيم العليم لم يهمل حالة إلا أحصاها و إلا كيف يصدق حكمه سبحانه عليه في قوله: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَـبِ مِن شَيْءٍ) .. فكلمة مرض كما سبقت إليها الإشارة و توضحها الآية الصريحة أن السبب في المرض هو الإنسان نفسه (وَ إِذَا مَرِضْتُ)، و إن كان في الواقع يلزم وقوف و تأني في هذا الأمر الرباني، و هو في الواقع نظريات الطب الحديثة، و رجال الاختصاص يعملون على جميع العلاجات بمنهج أثري...

بعبارة أوضح: يتعامل الطب مع المرض حسب ما يظهره من أعراض، فإن كانت اللوزتين مثلا، يعالجونه حسب ما يعكسه على جسد المريض، فعند مرض الطفل باللوزتين ترتفع درجة حرارته و تلتهب لوزتيه و يحس بآلام و عياء، فيكون دور الطبيب تخفيف حرارته و العمل على محاربة الفيروسات بالمضادات الحيوية وإعطائه فيتامين س مثلا لحيويته.... أما أسباب المرض فالطب يعلم تمام العلم أن حتى الطفح الجلدي (إكزيما) لا يعرف سببه.. و هذا الذي نود أن نركز عليه من خلال هذا البحث..

إذا راجعنا كتاب الله العزيز من خلال هذه الكلمة ( مرض) نجد أن كل الأمراض الظاهرة و الباطنة أصلها باطني، و لا نستغرب من هذا، و هذا بالضبط ما يسأل عنه علماء الاختصاص..

مُهمّ..

زارتني في الأسبوع المنصرم شابة من فرنسا و هي في نهاية بحثها لأطروحة الدكتوراه في الجين، و موضوعها على حسب ما ذكرت: سرطان الرئة بالنسبة لغير المدخنين.. و بدأت تحكي لي شريط متابعة البحث، ذلك أن الخلية لها بابان، باب يستقبل الدواء و منه يكون التحسن أو عدمه على حسب جودة الدواء، (و الجامعة في تصادم مع شركة دولية لصناعة الدواء الموضوع لهذه العلة).... .

باختصار أستاذها في إطار بحث أعمق، هو ما يمكن أن ينفع الخلية من غير الأدوية التقليدية، يعني النفسية أو البسيكولوجية... و سمى بحثه بالصدفة هكذا: أنوار الخلية ( les lumières de l ADN) .. فقلت سبحان الله، يجري بحكمته على يد خاصة خلقه بعدله ما فيه نفع عامة خلقه.. و الناس في ذلك على ثلاث مراتب..

* خصوص تخصصوا في أنوار الظاهر بما هو ظاهر، فانتفع على أيديهم من أراد الله لهم الانتفاع من أهل ظاهر الظاهر كغير المؤمنين أو أهل باطن الظاهر كعموم المسلمين، و كان لأهل هذا التخصص نفع ظاهري ظاهري في الانتفاع المادي بما يرجع لهم أو يثنى عليهم، و هذا ما هو عليه عصبة الأمم، و يصدق عليه قوله تعالى: (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)..

* و خصوص من هذا الخصوص أبرزوا من الظاهر باطنه ليؤسسوا له و يؤصلوا عليه، و هؤلاء الباحثين المؤمنين الذين يربطون ما برز من العلوم بما هو في القرآن و السنة معلوم، فيدعون به من سبقت له العناية من أهل المادة و يطمئنون من التبست عليهم الفهوم و اختلط عليهم المفهوم، و هؤلاء قلة من علماء الأمة تخصصوا في ما سمي بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم أو سنة رسول الرحمن الرحيم، و يصدق عليهم قوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)..

* و خصوص من هذا الخصوص أبرزوا من الباطن ظاهره و هم مؤسسوا الأسس و مؤصلوا الأصول، هم الذين انطلقوا من قواعد حقيقية و حقائق طبيعية، و هذا ما يجب الرجوع إليه و الاعتماد عليه، هم الذين انطلقوا من كتاب الله و استناروا بسيرة سيدنا رسول الله، فقل ما تزيغ بهم الأهواء أو تلتبس عليهم السبل، أو تخون العبارات منهم أو تبهم الإشارات عليهم، قولهم بالله، و فعلهم لله، و سرهم من الله، و نورهم من رسول الله، شعارهم عند من غلبتهم العادة: (قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ ٩١) و شعارهم مع أهل العبادة: (۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ).. و شعارهم مع أهل الخصوص: (وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢١٥)..

فأمر الشفاء هو من الله سبحانه، فلو جاد الكرام أصحاب الأقلام في ترجمة هذه الأنوار و إيصالها إلى هؤلاء الباحثين عن الحقيقة التي تفيد الناس، و الذين يصطدمون على إثرها مع الشركات العملاقة التي لا هم لها إلا الربح المادي و لو كان ذلك على حساب صحة البشر، فنكون قد أوفينا بما أمر الله به رسوله الأمين عليه صلوات رب العالمين و من خلاله إلى خصوص و عموم المسلمين قال أكرم الأكرمين: (ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٢٥).. فالدعوة إلى سبيل ربنا و خالقنا و مولانا لا تكون إلا بالحكمة، و من الحكمة أن تراعى في العلوم أصنافها و في اللغات أجناسها و في النفوس تقلباتها، و من الحكمة أن توضع الأمور في أماكنها، و هل يليق مخاطبة كل جنس إلا بجنسه و لا كل متعلم إلا بعلمه و لا كل متخصص إلا بتخصصه..

و من الموعظة النهوض و الاستيقاظ، و يكون بالحس و المعنى، و لا يكون دعويا حقيقيا إلا إذا توفرت فيه أشراط الحسن و الجمال.. (بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ) .. و حتى إن دعت الضرورة لجدال أو مجادلة إذا رفضت الحقيقة أو الشريعة فالمؤمن الحق لا ينتصر لنفسه، و لا يكون الأمر دعويا إلا إذا كان الجدال باللتي هي أحسن.. و ذلك أن تختار أحسن المناهج العلمية و أحسن اللغات الحية و أحسن الأساليب المؤثرة و أحسن الحجج الدامغة في مجادلتك إذا كنت تريد فعلا أن تدعو إلى سبيل ربك (وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ) أحسن لك كمؤمن تحب الناس و تحب أن تدلهم على خيرات ربهم، و خير لهم مما تاهوا فيه بأنفسهم.. (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١)..

في الواقع لا أريد التطويل بأكثر ما أحاول التركيز على أمهات الأفكار في الأنوار، و أترك ما يستحسن تبيينه مشافهة إلى حصص كلامية إن شاء الله تعالى و لنرجع إلى ما نحن بصدده..

تكلمنا على المرض و لم نستوف منه ما جاء في كتاب الله، ذلك أن كل الأمراض سببها من مرض القلب سواء كان ذلك حسا أو معنى، يعني ظاهرا أو باطنا، و هذا بالضبط ما نريد توصيله إلى علماء الاختصاص..

* حسًّا، و ذلك في ضعف جهاز المناعة (الربانية) من الدفاع المطلوب في الوقت المطلوب قبل الإصابة، وكذلك تحفيز الجهاز المناعي في رفع الإيحاء (الحفظ) عند المرض قبل الدواء أو بنسبة ضئيلة بمساهمة بعض الأدوية..

* و معنى، و تلك سلوكيات نفسية و فعليه تؤثر من قريب أو بعيد على الجهاز المانع للوقاية من المرض أو الجهاز الإيحاءاواتي (الحافظ) في محاربته أو محاولة رفعه..

هذاه باختصار شديد مهمة سلوك الأفعال و تأثيرها على الباطن و باطن الباطن، أما المقصود بالباطن هو القلب أو كما يمكن أن يسمى العقل الباطن، و أما باطن الباطن و هو مدى قبول ذلك السلوك أو رفضه، يعني محبته أو كراهيته، أو السعي إليه أو النفور منه، و ذلك ما يترجم فهمه في محبة فعل الخير مع فعله و فعله مُكرها، و في المقابل فعل الشر مكرها و محبة الشر و فعله، و لا بد أن يكون بحث علمي في الموضوع تنسيقا مع أهل الاختصاص انطلاقا من أسس البحث الحقيقية في كتاب الله تعالى و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

فإذا قال الجليل جل في علاه: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠) دليل المرض الأول (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) مرض في القلب، و معناه مرض عقدي نتج عنه مرض سلوكي فهو مرض معنوي و يعتبر مهد المرض و منبته و أصله و سببه، أما المرض الزيادة (فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ) فهو المرض النفسي و الحسي الذي يعتري المريض في نفسه ثم في جسده، و الزيادة هنا حكمية، فالمفرط أولى بالخسارة و لا يصل إلى أسفل الدركات إلا من لم يعرف كيف يحتفظ بأعلى الدرجات..

 

2 Commentaire(s)

  • Anonyme
    Répondre 

    Anonyme

    Samedi 09 mars 2019 à 07h31

    جزاك الله خيرا وزادك علما ولكن بم تفسر.مرض الاطفال

    • Anonyme
      Répondre 

      Anonyme

      Mercredi 13 mars 2019 à 19h39

      يسهل فهم الأمر عندما يكون يقيننا جازما بأن الله هو الرحيم الكريم حكما وعلما، ولا يأتي منه سبحانه إلا كل كامل وغير ناقص... فقط يصعب مسايرة هذا إذا كان حكم العبد على العاجل دون الآجل وعلى الظاهر دون الباطن... فكم من مرض كان لصاحبه وقاية ونجاة وكم من علة كانت لصاحبها ولأهله بركات ودرجات، وإلا بماذا نفسر مرض الأنبياء وامتحانات الصديقين والأولياء؟؟؟ أو الأطفال الذين هم أبرياء كما جاء في سؤالك

      هناك موضوع ثاني هو النظر إلى السبب وهذا فيه كلام آخر ارقبه في بقية الكتاب، وهو كمال وجمال صنع الله، والفساد الملحق به من سوء تدبير الإنسان

      جزاك الله خيرا على السؤال، وهذا ما يجب البحث فيه فعلا حتى يحسن الظن بالله ويصح التوكل على الله

Poster un commentaire