تعدد الأزواج:

هذا الموضوع أصبح ينظر إليه بعين الازدراء في المجتمعات الحقوقية بينما يدافع عنه بشراشة المجتمعات المسلمة التقليدية، والواقع أن جوهر الموضوع ضاع بين المعادين له والمدافعين عنه.. فلننظره من الناحية الدينية وبعدها من الوجهات الطبيعية ثم الحقوقية..

أمر الزواج أصله واضح في قوله تعالى: وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ.. وقله تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا.. فزوج المرأة رجل واحد، وزوج الرجل امرأة واحدة، وهذه طبيعة الأصل.. ومع توالي ذرية آدم في التعمير واضطراب سلوكاتهم، فتستقيم بعناية ربانية عند نبوءة أو رسالة، ثم تتدحرج بعد غياب الوعض واتباع النفوس أهواءها، فيقع الحيف في الكسب والمال والشطط في السلطة والجور في القسمة، فتختل موازين الحياة بين الناس رجالا ونساء ذكورا وإناثا...

من هذه الاختلالات: حق المرأة في الاختيار والقرار، وإجبارها على ما يراد منها لا ما تريده هي لنفسها صوابا كان أو خطأ... حتى جاء الإسلام بهذا الكتاب العظيم وهذا الرسول الكريم، موجها بالإصلاحات العقدية أولا، ثم بعد ذلك بالسير على مكارم الأخلاق كلها حتى لم يُبق على أي حاسة في الإنسان ظاهرة كانت أو باطنة إلا بين ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، علما وعملا غيبا كان بالنسبة للمؤمنين أو شهادة بالنسبة للراسخين..

في أمر الزواج والتعدد كان الأمر سيانا في العصور الغابرة بالعدل في عصور الاستقامة الدينية أو بالجور في عصور الظلم والانحلال الديني، فجاء الإسلام بطريقة عجيبة يصلح هذا الأمر ويرقى به في سلاليم الأخلاق والحقوق ومن جميع المناحي والنواحي بما لا يدع للعبث أو الهوى موطئا...

أقر الإسلام التعدد لضرورة وجوده كوفرة عدد النساء على الرجال مع صلاح المجتمع و الأمة، فلا يكون مانعا لوجود خلفة صالحة ومكثفة قال صلى الله عليه وسلم: تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة.. (والخطاب موجه إلى صلاح الأمة من النساء والرجال حتى لا يفهم غير ذلك) وجاء القرآن الكريم يؤيد ذلك في المبدأ وذلك قوله تعالى: وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ...

فالآية تعالج الجور ضد النساء من وجهتين:

الأول: حفظ حقوق اليتامى من الإناث من كافليهم حتى لا يقع عليهن حيف في الطمع في مالهن وجمالهن..

الثاني: وإن كان مرخصا لعذر هذا التعدد الذي كان في الجاهلية بأكثر من أربعة فإن الإسلام حصره في هذا العدد.. وسيج هذه الرخصة بالحرص على العدل فيها بقوله تعالى: فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً.. فشرط العدل في التعدد قائم...

ثم يبين سبحانه وتعالى أن لقرينة العدل صعوبة في التطبيق بل استحالة بدليل قوله تعالى: وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ.. إلا أن التأويلات لهذه الآية (الحكم) كلها جنحت إلى العدل في الميل القلبي أو العاطفي، وكأنها معضلة العدل الأساسية في التعدد، وهذا سوء تقدير لمعنى القرآن الكريم و الاستفادة من أحكام رب العالمين.. أما المعنى الطبيعي للآية هو الجور البيّن بين النساء في التعدد، وإن كان الرجل حريصا..

والتقدير في ترتيب معاني الآيات العظيمة كما يلي: أن الجور في التعدد ثابت ولو كان الحرص قائما .. إلا أنه أخف وطأة من القسط في اليتامى (وأنوار الآية خرجت من حرف واحد).. ومن سره أن يستبرئ في دينه ودنياه فلتسره واحدة، وليعمل على تحقيق القوامة معها وليعنها على الفرح بالله وحفظ جناح الذل فإنه يدخل معها جنة الاستقرار في الدنيا ويتحقق له معها المودة والرحمة..

أما وأن يقول قائل أن التعدد سنة رسول الله الكريم وسنة الخلفاء الراشدين، نقول له نعم بشرط أن يكون لك نفس عدلهم وصبرهم ورحمتهم... أما والأمر على ما نحن عليه فواحدة وليتك تنجو وليتك تنجو!!!

هذا باختصار شديد فيما يتعلق بالتعدد الطبيعي عند الاقتضاء والضرورة القصوى كحالة مرض المرأة أو عدم قدرتها على الإنجاب وكانت رغبة الأسرة ملحة فيها... أما وإن لم يكن شيء من هذا فلا يكون مكانه إلا الهوس الجنسي للرجال وهذا معضلة نفسية ومرض عضال يجب علاجه والتخلص منه ولو بحكم، لأن هذه الأعراض وهذه الأمراض معدية، والمرأة أضعف من أن تتحمل الظلم.. والحال من هذا ما يُرى ولا يخفى...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire