بعبارة أدق و أشمل:

الله سبحانه و تعالى خالق كل شيء.. أوجد لكل خلق ما يميزه للقيام بما خُلق من أجله، قال تعالى على لسان موسى: (قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ ٥٠) و سخر كل شيء لخلق الإنسان الذي خلقه لمعرفته ولعبادته قال تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦و قوّم الإنسان بكل ما يحتاجه من تقويم قبل تكليفه بهذه المعرفة و هذه العبادة قال تعالى: (لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ)، و هذا من مبحثنا ..

فالله جل في علاه قسم تقويم العبد إلى قسمين:

1) منها ما هو هبة من الله للعبد مباشرة قبل أن يعرف سرها و يدرك لبها، و هذه لا تكليف للعبد فيه، و هي على ثلاثة أقسام:

- الجسد و حركاته..

- العقل و أفكاره..

- القلب و إحساسه..

2) الهبة من الله للعبد الغير المباشرة، و هي التي فيها التكليف و تختص بالأمر و النهي، و من شأنها أن تحفظ للعقل سلامته و للقلب إحساسه و للجسد فعله و أخلاقه.. و هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ) ما يتعلق بما تعتقده النفوس و تتوجه إليه الألباب و هو ما يسمى عقيدة..

ب) ما يجب فعله أو يلزم تركه فيما يتعلق بتوجه العبد إلى ربه و تسمى عبادات..

ج) ما يتعلق بسلوك العبد في هذه المنظومة الربانية من الكائنات و المكونات و هذه تسمى معاملات، و هذا الجزء الثالث هو غاية مبحثنا..

فالله العليم بخلقه الحكيم في أمره اللطيف الرحيم بعبده شرّع في المعاملات بين العبد و المكونات كل ما من شأنه يشرق في العبد أنوار المعرفة و الفهم و قوة الإقدام على فعل الخيرات و مناعة التوقف عن الشرور والأضرار، و هذا محفز لسلامة العبادة و صحة العقيدة، و كذلك من بديع صنعه سبحانه و رفيع حكمته، جعل من صحة العقيدة و سليم العبادة ما يؤهل العبد إلى قبول ما سلم من السلوك في التعامل بين الكائنات و المكونات..

و لا ننسى أننا لا زلنا في الحرف القرآني، فكل ما سلف التمهيد له هو لمحاولة توظيفه من لدن المختصين كما سبق ذكره، و لا بد أن يكون التبيين بهذه الطريقة..

فلو أخذنا مثلا حرف الألف نجد أنه يدل على امتثال أمر الله حيث ما وجد في كتاب الله تعالى، فإن وجد في أمر، فإن في ذلك الأمر إعانة على امتثال أمر الله أو ذلك الأمر موقوف على امتثال أمر الله، و إن وجد في نهي فإن ذلك المنهي عنه مخل بفضيلة امتثال أمر الله، أو عدم امتثال أمر الله موصل لا محالة إلى المنهي عنه أو الممنوع أو المحرم..

فإذا وجدنا في قوله تعالى: (وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) فالألف في و أقم من امتثال الأمر و لكن من جهة العقيدة، و أما في قوله تعالى: (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ) فالألف تدل على امتثال الأمر و لكن من جهة العبادة، و أما في وصية لقمان من قوله تعالى: (يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ) فالألف في هذه الآية تدل على نفس النور و لكن من جهة المعاملة.. و هذا ما نريد أن نصل إليه..

فالله سبحانه و تعالى عندما قال و قوله الحق: (وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ) و قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ ) وقوله تعالى: (وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)...

فالذي وصل إليه العلم اليوم (في الإعجاز العلمي) هو أن اللحوم التي لم يذكر اسم الله عليها يُرى فيها أثر جراثيم و فطريات غريبة و التي ذكر اسم الله عليها ترى نظيفة تماما و سالمة من هذه التعفنات، فالسؤال المطلوب هو:

ما علاقة هذه الفطريات و الجراثيم بعدم امتثال أمر الله، و ما كيف تعمل هذه الطيبات كمحفزات في امتثال أمر الله عز وجل؟ وما علاقة سلوك أكل أموال بالناس بالباطل وأكل الربا بإضعاف هذه المنعة في الامتثال.. وإن كان في النور باطن رباني وظاهر ميداني، فإننا نجد أن نور الامتثال عندما يفتقد عند المؤمنين فإنه كذلك يكون مركب الفقد عند غيرهم في عدم امتثال القوانين؟؟ (وإن كانت صارمة وزاجرة...)

هذا فقط في حرف الألف الذي نحن في أثر افتتاح البحث عنه فما علاقة إذن كل ما يتعلق بباقي الحروف؟؟

و الآن و قد حان طرح مادتنا التي نحن بصددها، التي هي: و التين و الزيتون..

فلنحاول أن نركز جميعا، فلنركز في جمعنا و لنقصد في مجمعنا على قول الجليل سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ
) فنصرةُ الله من العبد كما قال القشيري نصرةُ دينه بإيضاح الدليل وتبيينه.. ونصرةُ اللَّهِ للعبد بإعلاء كلمته، وقَمْعِ أعداء الدين ببركاتِ سَعْيه وهمَّتهِ..

و المقصود بالدليل العلمي الذي لا ينافيه علم، و العقائدي الذي لا يرفضه لب و لا فهم، فلنأخذ مادة ما نحن بصدده من الجانب الحقيقي لنستنير به في الجانب العلمي و المادي عسى الله أن يرحمنا في من رحم ويهدينا فيمن هدى و يعافينا فيمن عافى إنه ولي ذلك و الدال عليه و المنبه إليه و القادر عليه..

وهذا تذكير بأنوار كل كلمة على حدة و في المقابل نذكر بعض ما عرفه العلم من مواد لهذه المادة ثم نربط المكونات ببعضها حتى ينجلي للأحباب خفي سرها و جوهر نورها:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire