الدواء الوهمي placebos

وقف البروفيسور طوكي في هذا الباب وقفة خاصة، قيّم فيها صناعة الأدوية و فعاليتها و مراقبة جودتها، فقال أن الدواء الوهمي أو الوهم " بلاسيبو" (إن صحت هذه الترجمة وأضنها كذلك) هو على كل حال: صناعة صيدلية محضة، تكون على صورة دواء حقيقي، سواء كان ذلك الدواء أقراصا أو حقنا أو أنابيب أو مراهم.. إنما هو على شكل دواء، لكنه ليس دواء.. هو عبارة عن ماء و أشياء أخرى فقط، يصنع عادة لأغراض مختلفة، سواء لاختبار مفعول الأدوية الصحيحة على جسم المريض، أو فقط لاختبار المريض نفسه..

هذا النوع من الدواء "اللا دواء"، يعني لا نفع فيه، و كذلك لا ضرر ينجم عنه، (و هذا هو المهم)، كان يصفه عادة الأطباء منذ القدم.. و إلى الآن، للآلام التي لم تظهر طبيعتها و الأعراض التي لم تعرف حقيقتها...

دخل "البلاسيبو" ميدانا تجريبيا في سنة 1949 في أمريكا على يد الدكتور "هوكلند" العقيد العسكري بطلب من البنتكون الأمريكي، في أمر مراقبة فعالية دواء كانت تشهره شركة دواء أمريكية ضد الزكام و نزلات البرد، وكان "المارينز" الأمريكي يشكو من تلك العلة نتيجة التدريبات الميدانية الشاقة، ففعل الدكتور هوكلاند ما يلي:

قسم المرضى إلى ثلاث فرق..

أ) فرقة لم يعطها أي دواء..

ب) و الفرقة الثانية كان يعطيها هذا الدواء الذي تشهر له شركة الدواء و هو عبارة عن مضاد هيزتاميني Anti-histaminique..

ج) أما الفرقة الثالثة فأعطاها سكر الحليب (لكتوز) فقط، لكنه على شكل الدواء بجميع المواصفات لونا وشكلا و طعما..، فكانت النتائج مذهلة..

ذلك أن الثلث الذي لم يتلق أي دواء بقي يشكو من ألامه..

أما الثلث الثاني، الذي تلقى الدواء الحقيقي، فحوالي 30 % منهم أصبحوا يحسون بانخفاض في درجات الحرارة، و بدأت أعراض المرض تختفي شيئا فشيئا..

أما الثلث الثالث، و الذي أخذ مرضاه البلاسيبو، يعني الدواء الوهم، فقد حصل لهم كذلك تحسن مثلما حصل للمرضى الذين استعملوا الدواء الحقيقي..

فكان الاستنتاج أن المضاد الهيزتاميني هذا يرفع الإيحاء فقط suggestionفرفضالبنتكون الأمريكي إبرام صفقة الدواء مع الشركة..

و منذ ذلك الحين انكبت مجموعة من الأطباء على الأبحاث في هذا الدواء الوهم "البلاسيبو".. و حصلت استنتاجات كثيرة و مهمة لمجموعة من الأطباء الباحثين خصوصا الأمريكيين، بحيث أن الكثير منهم استحسن الدواء الوهم في كثير من الأمراض كاضطرابات الضغط، و التهاب العظام، و الشقيقة و الضيقة و المعدة وبثور الجلد...

و الحجة في ذلك هو أن البلاسيبو ليست له أعراض جانبية، و بعد ذلك تبين أن الدواء الوهم، كذلك تنتج عنه أعراض جانبية، كيبوسة في الفم و الجيشان و الحمى و الإحساس بالعياء و طنين الأذنين...

كل من الأطباء الباحثين أظهر نتائج تجاربه..

فمنهم من قال أن حوالي 35 % من المرضى حساسين للدواء الوهم placebo-sensiblesو هم الذين حسب تشخيص أو تعريف بعض من الأطباء قالوا: أنه يكون طبعهم منغلق و لا يبدون التجاوب مع الغير..

و من الأطباء من ألح على ضرورة إخفاء سر الدواء الوهم، و إظهاره كالدواء الحقيقي تماما و من كل الأطراف، كما يقال في الطب بالعمى من جهتين en double aveugle، يعني يجب أن يجهله المريض كما يجب أن يجهله الممرض و حتى الطبيب المعالج نفسه..

و من الأطباء من فتح بابا أكبر، للبحث في طبيعة الأشخاص المتداوين بالدواء الوهم، و ذلك في سنهم ووسطهم و إقليمهم و ميولاتهم و مجموعات أخرى من الاعتبارات، و بذلك يبين سلوك التعامل مع البلاسيبو في العلاج لا يزال غامضا..

و يبقى سر الدواء الوهم موضوع حديث لا ينتهي بين أوساط المرضى و الأطباء و شركات الأدوية، بين الإشهار و التمثيل و مؤتمرات الأطباء في شروحات لا تنتهي عن مفعول الأدوية..

و يبقى سؤال الدكتور "هنري فور" يجلجل في الآذان: كيف لا يمكن أن نتهم هذه الأدوية أنها وهمية لما نراه من أسمائها الموهمة، و كذلك من الجيوش الجرارة، التي ترافق الدواء و تقدم له، أو توهم الأطباء بمفعوله الذي لا وجود له؟؟؟...

و ذكر الدكتور "كاربروفيتش" في تجاربه، أن الدواء الوهم يعطي النتائج أفضل من الأدوية المنبهة Amphétamine كالتي تعطى للرياضيين قصد تشجيعهم و تنبيههم مثل الكافيين أو الكوكايين أو الستريشين ... بحيث أنه سُجل أن الدواء الوهم حقق النجاح في 132 %، بينما الدواء المنبه لم يحقق إلا 80 %..

و اهتدى طبيب آخر إلى لفت الانتباه إلى الفرق بين الخيانة الطبية و رفع الإيحاء عند المريض، و اقترح التمسك بإعطاء دواء فيه أمل (و لو كان هذا الأمل قليلا في الشفاء)، خير من إعطاء دواءٍ وهم، لا نصيب له من الصحة..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire