الفرق بين الأنوار و العلوم

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

   خلق الله الكون بعلمه و خلق فيه آدم للخلافة في هذا العلم قال تعالى: ( وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا) و جعل سبحانه جل شأنه العلم رحمة للعباد على يد الأنبياء و الرسل و جعل سيد الأولين و الآخرين منبع ذلك بدليل قوله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ) .. فالرحمة نور اسمه الرحمن، و العلم نور اسمع العليم و العالم و العلام قال تعالى: (ٱلرَّحۡمَٰنُ ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤ )، فإسناده سبحانه تعليم القرآن إلى اسمه العظيم " ٱلرَّحۡمَٰنُ " هو بالعلم و البيان إيذانا منه سبحانه أنه من آثار الرحمة الواسعة و الأحكام العظيمة المانعة، و لذلك فبرحمته سبحانه وصلوا إلى القرآن لا بقراءة القرآن يصلون إلى رحمته، فإذا كان في القرآن رحمته فنوره في تعلمه، و إذا كان في العلم به حكمته فنوره في العمل به، فمن كان علم الله غايته فنور الله وسيلته، و من كان نور الله غايته فالعلم و العمل به وسيلته، و إذا كان النور هو البيان فالعلم لا يكون إلا في القرآن، و نور العلم هو حقيقة القرآن و هي رحمة الرحمن، فرسول الملك الرحمن هو الذي جاء بالقرآن يعني بالنور و العلم معا و هذا معنى قوله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ)..

   فمراعاة الأنوار في العلوم مشروطة و أسرار الأعمال بالعلوم منوطة، و التنبه إلى أجناس الأعمال من ضرورات السير في الأحوال، فلا يصح عمل إلا بمعرفة جنسه، و لا يصح إخلاص إلا في صالح العمل، و لا يصح السير في كل هذا إلا بالأنوار المحمدية الشريفة..

   قوم اعتمدوا القول و جعلوا منه عملا فحصل من ذلك انتكاس في الهمم و تقهقر في العزم، فوقعوا في مجانبة حقيقة العلم بمجانبة أنواره، فذلك مثل العرب و المسلمين في عصرنا..

   و قوم اعتمدوا العمل بدون أنوار، و جعلوا منه سداد قولهم و منبر كلمتهم و موطن عزمهم، فحصل من ذلك تعارض في الصناعات و اصطدام في الحضارات، و ساروا بخطى مسرعة بتعاقب التنافسات إلى خراب بيوتهم و بيوت الناس بأيديهم و أيدي الحقيقة، و ذلك مثل الغرب، إن تذرهم ينهبوا و إن تعارضهم يشاغبوا..

   و الواقع أن التقهقر في العمل بالعلم هو الذي أورث جهل الحقيقة بجنس العمل، و هذا الذي أشرك أهل ظواهر العلم بأهل ظواهر العمل، و هنا اختلطت الغزول بين الصعود و النزول، قوم يصعدون بالعمل بغير علم على قوم جعلوا حضهم العلم بدون عمل، هؤلاء يصعدون بلا دعائم و هؤلاء ينزلون لأنهم فقدوا الدعائم..

   لكي لا أشغل القارئ بحل الرموز و المبحث بني أساسه على عمل علمي و علم عملي حتى تستبين أسرار العمل و حقيقة العلم و معنى النور و هي كما يلي:

 

 

   و هكذا يتضح أن للعلم خمسة أنوار و لا ندخل في تفاصيل الأنوار على التشكيل و نكتفي بالأسس، و إن كانت قواعد الأنوار تحتاج إلى شرح مفصل و ذلك ما سيأتي في أوانه بفضل الله تعالى و إنما سيرنا لا يزال في التعميم فلتكتف بوضع لبنات و أسس هذه القواعد في البحث فنتوكل على الله..

   فالعلم بالمعنى الرباني أو بالمصطلح النوراني هو جمع ترتيبي لأنوار خمسة رفيعة من أنوار حبيبنا محمد عليه أفضل الصلوات و أزكى السلام، فبقدر ما يكون ترسخ الأنوار في العبد يكون رسوخه في العلم الرباني الحقيقي، و بقدر نشوزه من هذه الأنوار يكون مروقه من حقيقة العلم و لو كانت علوم المادة كلها بين يديه يأخذ منها متى يشاء.. فللنظر إلى ترتيب هذه الأنوار:

1)       الألف لها امتثال أمر الله تعالى فهو أصل الأنوار و منبعها، فمن أطاع الله و رسوله فتحت له أول الأبواب الخمسة للعلم و نقيضه عصيان أوامر الله قال تعالى في العنكبوت: (بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ ٤٩ )..

2)       اللام لها العلم الكامل، و المقصود هنا هو العلم بالشريعة، و المقصود منه العمل بحقيقة السنة المحمدية قال تعالى: (۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩
) فمن حقيقة العلم أن يعلم العبد أن ما جاء في التشريع و الحديث عن رسول الله إنما هو من عند الله العليم الحكيم، فالأخذ به دخول من الباب الثاني لأبواب العلم، و نقيضه هو البدعة و الهوى و الضلالة، و من نقض هذا النور كان في حكم (كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ)..

3)       العين لها العفو الكامل، و هو نور من أنوار الحبيب الطبيب محله القلب، فمن صفت سريرته و طويته أشرقت على ظاهره ثمرة ذلك، و هنا يتعلق الأمر بالعفو عن الناس، و قد بلغ هذا النور في رسول الله ما لا يطيقه إلا هو صلى الله عليه و سلم، و نقيضه الفضاضة و القسوة قال تعالى: (خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٠٠)..

4)       اللام الثانية هو الشرط الرابع من شروح حقيقة العلم، و معناها العلم الكامل، و المقصود بها هنا هو السير بالعلم فيما تعلم من الأنوار الخاصة بالعلم، يعني الشروط الثلاثة السابقة، و المصود به الوصول إلى حقيقة العلم قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ) فمن وصل بفضل الله إلى حقائق الشرائع فقد وصل إلى حقائق العلم، و من جهلها أو تجاهلها فقد أعوزته الأنوار في حقائق العلوم قال تعالى: (وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ  )..

5)       الشرط الخامس و الأخير من شروط العلم بالله هو الميم، و معناه الذكورية، و المقصود بها العمل على استمرارية الحقيقة في السلالة البشرية، و ذلك الخير الذي ينفع الناس، و يتعلق بالناس و ما يحيط بالناس، و المعنى هنا أجل من يقفز عنه و إن كان سيأتي شرح الأنوار كما سبق ذكره إلا أن المعنى بإيجاز، أن حقيقة العلم إن عدم فيها نفع البشرية و صيانتها و مراعاة الخير لها عاجلا و آجلا في الدنيا و في الدين و في الآخرة فالعلم فيها يكون أجدم قال تعالى: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ) .. و هذه أكبر شهادة في التوحيد، حيث لا يعرف من هو إلا هو، لا إله إلا هو.. فشهادة أولوا العلم معطوفة على شهادة الملائكة و هي شهادة واحدة لا ثاني لها للواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد.. و الشهادة هنا ليست قولية و لكنها فعلية و عملية، و هي القيام بالقسط، و القيام هنا واحدا (قَآئِمَۢا) لأن أمر الواحد واحد هو القيام بالقسط و هو العدل و هو التوازن الذي خلقه الله بين الكائنات و المكونات (وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ)..

   هذه أنوار العلم الخمسة التي يصل بها المريد إلى حقيقة العلم و العمل به، فإذا أردنا أن نعرف الفرق بين العلم و العمل رغم ان الأنوار واحدة، يعني الحروف واحد إلا أن ترتيبها فيه من الأسرار ما يغيب على كثير من الباحثين و المفكرين، فكلمة العلم جاءت في كتاب الله 28 مرة بينما جاءك كلمة العمل في موضع واحد من فاطر في قوله تعالى: (إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ) و حيثما وقعت كلمة العمل على جذرها إلا جاء البيان معللا فيها بين الصلاح و عدمه، و لذلك يكون للعلم معنى واحد هو علم الله العليم الحكيم بينما العمل قد يكون بالعلم، فذلك العلم النافع، و قد يكون بغير علم فيكون فاسدا و مدخولا، و هو حجة على ابن آدم.. و إذا راقبنا مواقع ترتيب الأنوار بين العلم و العمل نجد الفرق في الحرفين الأخيرين من الكلمتين و هما اللام و الميم..

 

 

  • جاءت في العلم اللام قبل الميم، و المعنى أن علم الحقيقة يسبق شريعة النفع للعباد و البلاد التي هي ميم الذكورية و هذا في غاية الأهمية، فمن عرف حقائق الأمور صح له أن يبث في ظواهرها و بواطنها و حصل الانتفاع من عمله و إن قلّ..قال تعالى: (أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٢٢)
  • و أما العمل فجاءت الميم للنفع قبل معرفة حقائق الأمور التي هي اللام، و هذا ما يجعل العمل في مفترق الاتجاهات بين النفع و الضرر، فإن صادف حقائق الأمور بفضل الله فهو عمل صالح، و إن جانب حقيقها فبجهله و اعتماده على عمله، و من جانب حقائق الأمور جانبه النفع فيها و ذلك فساد العمل، حتى لو فنى فيه صاحبه..قال تعالى:( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ)..

المقصود من هذا المبحث إظهار مقاصد الشريعة في حقيقة العلم و أجناس الأعمال، و إن كان بعض من بني جلدتنا زاغوا و أزاغوا.. جهلا بغير علم كالعلمانيين، أو تعصبا و تطرفا في الدين بمجانبة اليقين و الإنكار على أولياء الله الصالحين، فكل من الفريقين في غلوّ بالنكران، هؤلاء عن مقاصد الشريعة و هؤلاء في مقاصد الشريعة.. فإذا ظهر من العلمانيين من يدعوا إلى فصل الدين عن العلم.. فالطرف الآخر لم يصل إلى حقيقة العمل بالعلم، و ما ذاك إلا افتقار النور في كل الفريقين، و قبل أن نتطرق إلى أسرار العلوم و الفنون و الصناعات التي هي غاية العلمانيين، أو السنة أو السلفية التي هي غاية المتعصبين نتطرق إلى كلمة (النور) على الأنوار المحمدية الشريفة..

وردت هذه الكلمة الدالة (النور) 13 مرة و على مستوى الجدر أزيد من 60 مرة، كلها تدل على ما يليق بجمال كمال اسم الله العظيم الأعظم المعظم ( ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ).. فكلمة النور لها من الأنوار خمسة و هي كما يلي:

ٱ لـــــــنُّــــــــــو ر

امتثال أمر الله تعالى

العلم الكامل وهو العلم بالسنة المحمدية

الفرح بالله وهو الفرح بما أقامك الله فيه

الموت في الحياة عن حضوض النفس

حسن التجاوز وهو معرفة السير في المقامات

 

و لا أريد أن أثقل على القارئ الكريم بالحركات و إن لها أنوارا أخر و منها تسمد الحروف أنوارها و لنكتف بأنوار الحروف لمعرفة الغاية ثم بعد ذلك نبحث في وسيلتها، قال العزيز في كتابه العزيز: (ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ)..

فمن نظر إلى الآية الكريمة يرى أن النور واحد لا يتجزأ و لا يحتمل معاني، إنما الظلمات جاءت بصيغة الجمع، و هذا إنما يدل على أن النور له شروط لا تكتمل حتى تتم هذه الشروط و نقيض كل شرط منها يفتح بابا من أبواب الظلام و كل من أشراط النور و أبواب الظلمات كامن في معاني الحروف الخمسة من الكلمة ( النور) كما سبق تبيانها..

الألف من النور لها امتثال أمر الله تعالى، و معناه الخلوص إلى نفعك في الدين و الدنيا و الآخرة.. و نقيضه عصيانه سبحانه و معناه اتباع الهوى و الشيطان التي لا تنتهي حتى تنهي في الخسران دنيا و أخرى..

اللام و لها العلم الكامل بما شرعه الله على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم، و فيه معرفة الطريق الأقرب و الأمثل و الأسهل للوصول إلى مرضاة الله ومصلحة العبد ونفعه.. و نقيضه الجهل بحقيقة السنة، و من زاغ عن المحجة الحقة فتحت له كل الآفاق طرقا و نهجا كلها تهوي به في المهالك دنيا و أخرى..

النون و لها الفرح الكامل بما أقامك فيه مولاك الذي خلقك فسواك و عدلك في أحسن صورة ما شاء ركبك، فإن عرفت حكمة ربك تأكدت أن خير المقامات هو ما أقامك فيه، فأحسن فيه كما أحسن إليك بالقيام فيه، و افرح برب كريم حكيم جليل، فإنك تكون أقرب إليه بطاعته من غير مشقة و باستسلام في امثال و تلك حقيقة العبدية و مقامها أعلى من العبودية.. و نقيضه عدم الرضى عن الله، و هو أن تسعى في إخراج نفسك من حال لاستعمالها في حال غيره، فإن كان من دين لدنيا فإعراضك صارخ و لو ألقيت معاذيرك، فتفتح شعاب الظلام و مهاوي النقمة و لن يصلك إلا ما قسم الله لك و وقعت في المهالك دنيا و أخرى.. و قد جرم أهل الحقيقة إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب، و سموها من الشهوة الخفية.. و لذلك قالوا مقامك حيث أقامك، و قالوا لا تطلب منه أن يخرجك من حال و يستعملك في غيره، فلو شاء لاستعملك من غير إخراج..

الواو فلها الموت في الحياة، و المعنى أن تنزل على النفس جبال الأثقال و ذلك خوف الله و مراقبة رضاه و غضبه، و ذلك في الحذر منه أن يجدك حيث نهاك أو يفتقدك حيث أمرك، و هذا معنى قتل النفس في مناحي الهوى والشهوة، فإنك إن فعلت سهلت عليك الطاعة و و جدت فيها سعادة و نعيما.. و نقيضه إطلاق عنان النفس فتنزلق في مهاوي الضلال و شطن الشيطان، فلا تدري بأي منزلق تتوه ولا بأي شطن تنتهي فتهلك دنيا و أخرى..

اما الراء فمن حروف البسط و لها من الأنوار حسن التجاوز، و المقصود منه التجاوز في المقامات، فلا تقف في حال و لا على حال و لكن تراقب مقلب الأحوال، فلا تأس على ما فاتك و لا تفرح بما أتاك، فرب نعمة كانت تنطوي على نقمة، و رب نقمة كانت في حقيقتها قرب و نعمة، فهو المعطي و هو المانع و هو الضار و هو النافع، فربما أعطى ليمنع و ربما منع ليعطي، و ذلك خفي إلا على من نور الله بصيرته و طهر سريرته، فإنك إن وصلت إلى نور هذا الحرف وصلت إلى حسن الظن بالله تعالى.. و نقيضه الوقوف في الأحوال بسطا كانت أو قبضا، فمن وقف معهما في الحال اعتمادا فشركه جلي، و إن كان إسنادا فشركه خفي، و أهل الحقيقة يمنعون السائرين من الوقوف مع ظاهر الحال، فكيف بمن اعتمد الحال و أين ترك الكبير المتعال، فإنه هالك دنيا و أخرى..

لعلي قد أطلت في مراقي النور و مهاوي الظلمات لكي يتسع على القاري الكريم بعض الاستقراءات على المتناقضات و هكذا ظهر الفرق بين أنوار العلم و العمل و النور، و يمكن لنا أن نبدأ الكلام على العلوم كيفما كانت لأن معناها واحد، مستمد من علم الله العليم الحكيم، فمتى صادف علم من علوم الدنيا أنوار حقيقة العلم فقد صادف حقيقة الأمر و كان العلم نافع في الدين و الدنيا و الآخرة، و متى كان فيه شرخ من نور إلا و دخلت عليه ظلمة و تلك مفسدة دخلت على العمل به و يكون ضرر العباد بقدر ضلوع المفاسد فيه، و لا يمكن تسميته علما حينها، و لننتقل إلى معالجة بعض العلوم بالأنوار المحمدية الشريفة..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire