السر في الاختيار إذن يطغى إذن على طبيعة الاختيار..

فعلى الإنسان أن يختار لاختياره، لأن الجهاز العصبي له مهمة واحدة في الانتقاء و الاختيار، فمن اختار الاختيار من أجل الاختيار و هو الاختيار النزواتي، فإنه لن يصل إلى طبيعة الاختيار الحقيقية و لا إلى طبيعة الاختيار الطبيعي..

و العكس هو الرضا و التسليم.. و معناه أن توجه ملكاتك نحو مقصدك، راضيا مسلّما حتى لا تهدر طاقتك وتحول بينك و بين مقصدك، و هذا معنى التوجه في الحكمة من قوله تعالى على لسان لقمان: (وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ).. ومعناه اقصد في مسعى حياتك وتوجهك، قال صلى الله عليه وسلم: من كانت هجرته إلى الله ورسوله وفهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).. فأنوار كلمة (وَٱقۡصِدۡ)، الواو تدل على الالتزام بما يأتي بعدها، و الألف لها امتثال أمر الله تعالى، و القاف له البصيرة و الدال له الذوق للأنوار..

و المعنى أن ترضى لنفسك ما هو أنت، و ما خلقت من أجله، و تعمل على ذلك لثبوت ذاتك فيه، و تختار أنجع النهج لذلك و أنقاها من الأغيار و أصفاها من الأكدار، وذلك فقط باتباع ما أمرك الله به واجتناب ما نهاك عنه (وما أمرك إلا لذلك فافهم)..

و هذه طبيعة الاختيار الحقيقية و حقيقة الاختيار الطبيعي، و في لذلك قيل: إذا كان عليك أن تختار، فاختر ألا تختار، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ) و قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ)..

و معناه اختر ألا يخالف اختيارك القدر، و لذلك قال شيخ الجبل لأبي الحسن عندما سأله كيف أنت يا سيدي، قال له الشيخ: إنني أشكو من برد الرضا و التسليم مثلما تشكو أنت من نار التدبير و الاختيار، فقال له أبو الحسن: إن نار التدبير و الاختيار عرفتها فكيف ببرد الرضا و التسليم؟؟ قال الشيخ، إن للرضا و التسليم حلاوة أخشى أن تتلفني عن ربي...

فالمرحلة الأولى في انتقاء الاختيار للجهاز العصبي هو الوقوف على مراكز القرار في ضبط الاختيار، ثم بعد ذلك اختيار عدم الوقوف مع أي قرار، إلا إذا كان موافقا لمرضاة الواحد القهار.. فمن سره أن يكون صائبا في اختياره، عليه بدل أن يختار من مئات ألوف ملايين الأشياء التي تتغير و تتبدل بدون انتهاء، أن يختار ألا تختار هذه الأشياء، و يقصد باختياره خالق الأشياء و مبدعها، و منشئها و مسخرها..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire