و هذه صورة بيانية للأنوار السبعة في كلمة (خليفة)

و فيها يظهر أن نور الآدمية تم بعد ثبوت الأنوار الخمسة من فوق و أما نور البسط فمخفي في نور الرسالة..

فإذا حاولنا تلخيص الكلمة الربانية (خليفة) على ضوء الأنوار المحمدية نجد الأنوار شملت الكلمة على مداخل ثلاث..

الأول وارد من الله قبل الورد و عطاء من الله قبل معرفة الطلب و كرم من الله قبل الدلالة على الكريم.. و هي الأنوار الخمسة الأولى دفعة واحدة بالتوالي، وارد الروح، و مدد العلم الكامل، و نعمة الخوف من الله عز و جل، و زاد الحمل للعلوم، و كرم النفرة عن الضد و الند..

الثاني هو تفاعل هذه الأنوار و الإمدادات مع الجسد الطيني الترابي من الحمأ المسنون فتكوّن منه نور سادس هو نور الآدمية فكان حاملا لهذه الأنوار مرفوعا بهذه الأسرار محمولا فوق كل الأغيار و الأكدار بفضل الواحد القهار..

الثالثة و هي المطلوبة من العبد و هي نعمة باطنة فقط يجب إظهارها و ساكنة يجب تفعيلها و موجودة يجب الالتزام بها و هي نعمة البسط، فعلى العبد أن يتبع فيها و لا يبتدع، و على العبد أن ينفذ فيها الأوامر و يستمع..

هي ست أنوار واردة من الكريم المفضال و نور واحد أوجده الكبير المتعال في نعمة الرسالة، و هي نعمة الشكر، الالتزام به مطلوب لتثبت باقي النعم و هذا هو السر..

قال نبي الله موسى عليه السلام، يا رب.. خلقت آدم و لم يك شيئا، و علمته من علمك المخزون و صنته بسرك المصون، و خلت منه زوجه، و أدخلته الجنة، فكيف شكر نعمتك، قال الحق جل في علاه، يكفيني من عبدي آدم قوله الحمد لله..

قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) البقرة.. فإذا رجعنا إلى أقوال بعض المفسرين نجد:

من كلام السيوطي:

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: ما كان في القرآن ( إذ ) فقد كان..
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ( إني جاعل ) قال: فاعل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كل شيء في القرآن (جُعِلَ) فهو خُلِقَ.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ)..
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها قال الله (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠).. وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان، ففسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنوداً من الملائكة، فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة (قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ) كما فعل أولئك الجان فقال الله (قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)..
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مثله..

و قال ابن عربي..

(وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ) إذ: إشارة إلى السرمد الذي هو من الأزل إلى الأبد، والقول هو إلقاء معنى تعلق مشيئة الله تعالى بإيجاد آدم في الذوات القدسية الجبروتية التي هي الملائكة المقرّبون والأرواح المجرّدة والملكوتية التي هي النفوس السماوية إذ كل ما يحدث في عالم الكون له صورة قبل التكوين في عالم الروح الذي هو عالم القضاء السابق، ثم في عالم القلب الذي هو قلب العالم المسمّى باللوح المحفوظ، ثم في عالم النفس أي: نفس العالم الذي هو لوح المحو والإثبات المعبر عنه بالسماء الدنيا في التنزيل كما قال تعالى: (وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ ٢١)الحجر..

فذلك قوله تعالى للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) واعتبر بحالك في نفسك، فإنّ كل ما يظهر على جوارحك التي هي عالم كونك وشهادتك من القول والفعل، له وجود في روحك التي هي ما وراء غيب غيبك، ثم في غيب غيبك، ثم في نفسك التي هي غيبك الأدنى وسماؤك الدنيا، ثم يظهر على جوارحك. والجعل أعم من الإبداع والتكوين، فلم يقل (خالق) لأن الإنسان مركب من العالمين: خليفة يتخلق بأخلاقي، ويتصف بأوصافي، وينفذ أمري، ويسوس خلقي، ويدبر أمرهم، ويظبط نظامهم، ويدعوهم إلى طاعتي..

و جاء عن التّستري.. لما سئل عن قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) قال: إن الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) وخلق آدم عليه السلام من طين العزة من نور محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له، وأنه خلقها ليسارها عليه بمعلومه فيها خواطر وهمماً، يأمرها بإدامة الافتقار واللجأ إليه، إن أبدى عليها طاعة قالت: أعنّي، وإن حُرّكت إلى معصية قالت: اعصِمني، وإن حركت إلى نعمة قالت: أوزعني، وإن قال لها: اصبري على البلاء، قالت: صبّرني، ولا يساكن قلبه أدنى وسوسة لها دون الرجوع عنها إلى ربه، وجعل طبعها في الأمر ساكناً، وفي النهي متحركاً، وأمره بأن يسكن عن المتحرك، ويتحرك عن الساكن بلا حول ولا قوة إلاَّ بالله، أي لا حول له عن معصيته إلاَّ بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلاَّ بمعونته...

و قال القشيري:

هذا ابتداء إظهار سِرِّه في آدم وذريته. أَمَرَ حتى سلَّ من كل بقعة طينة ثم أمر بأن يخمر طينه أربعين صباحاً، وكل واحد من الملائكة يفضي العَجَبَ: ما حكم هذه الطينة؟ فلمَّا ركب صورته لم يكونوا رأوا مثلها في بديع الصنعة وعجيب الحكمة، فحين قال: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ) تَرَجَّمَتْ الظنون، وتقسَّمت القلوب، وتجنَّت الأقاويل، وكان كما قيل:

وكم أبصرتُ من حسن ولكن

 

عليك من الورى وقع اختياري

ويقال إن الله سبحانه وتعالى خلق ما خلق من الأشياء ولم يَقُلْ في شأن شيء منه ما قال في حديث آدم حيث قال: ( إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً) فظاهر هذا الخطاب يشبه المشاورة لو كان من المخلوقين. والحق سبحانه وتعالى خلق الجنان بما فيها، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة، ولم يقل إني خالق عرشاً أو جنة أو مَلَكاً، وإنما قال تشريفاً وتخصيصاً لآدم إني جاعل في الأرض خليفة..

و قال ابن عجيبة:

لمّا أراد الله تعالى عمارة الأرض، بعد أن عمَّر السماوات بالملائكة، أخبر الملائكة بما هو صانع من ذلك؛ تنويهاً بآدم وتشريفاً لذريته، وتعليماً لعباده أمر المشاورة، فقال لهم: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) يخلفني في أرضي وتنفيذ أحكامي، (قَالُوٓاْ ) على وجه الاستفهام، أو من الإدلال، إن كان من المقربين، بعد أن رأوا الجن قد أفسدوا وسفكوا الدماء: (أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ) ، وشأن الخليفة الإصلاح، (وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ) ، أي: نسبح ملتبسين بحمدك، (وَنُقَدِّسُ لَكَۖ) ، أي: نطهر أنفسنا لأجلك، أو ننزهك عما لا يليق بجلال قدسك، فنحن أحق بالخلافة منهم.
قال الحقّ جلّ في علاه: (قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ).. فإني أعلم أنه يكون منهم رسل وأنبياء وأولياء، ومن يكون مثلكم أو أعظم منكم، ولما ألقى الخليل في النار ضجت الملائكة وقال: " يا رب هذا خليلك يحرق بالنار ". فقال لهم: " إن استغاث بكم فأغيثوه ". فلما رفع همَّتَه عنهم قال الحقّ تعالى: ( ألم أقل لكم إني أعلم ما لا تعلمون )..

فإذا أردنا أن ننظر إلى الآية من خلال أنوارها يتضح لنا أن قول الحق لا يشبه قول الخلق، تعالى الله عن ذلك كما تعالت صفات من خَلق عمن خُلق..

فقول الحق للملائكة هو أنوار كما يليق بجمال كمال بهاء نور وجهه الكريم، و إذا تحللت كلمة (قال) انقطع البيان و خرس اللسان.. و حصل الاطمئنان..

فالقاف للبصيرة و الألف للقبض بمجمامعها و اللام للعلم الكامل، و (جاعل) هو وارد رباني بأنوار أربعة جزئية على حسب الحروف الأربعة و هي : الصبر و امتثال الأمر و العفو و العلم الكامل..

و المعنى أن الحق جل في علاه أخذ بمجامع الخلق الملائكي في تنزيل هذه الأنوار الأربعة إلى الأرض و رشح لها مخلوقا بأنوار ستة ظاهرة و هو ما سبق بيانه في خليفة ، فكانت هذه الأنوار خافية من قبل في ظهورها، و ظاهرة من قبل في خفائها، فرأت الخلائق الملائكية في الأرض على ما يظهر من الأسرار عدم كفاءة هذا المخلوق على حمل الأمانة و السر .. (إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا
ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوم
ٗا جَهُولٗا ٧٢) الأحزاب..

فالأنوار التي كانت ظاهرة قبل خليفة، هي نور الروح، فكان ما هذا النور الخلق الملائكي، فغلب نوره على سره، و سره على أمره، فلا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يومرن، و كان قبل خليفة خلق الجن.. (وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ٢٧) الحجر.. فكانت الأنوار باطنة في الطبيعة الجنية يعني نور القبض و الرسالة و النبوة، و عليه كان العصيان و سفك الدماء كما سلف في قول ابن عباس رضي الله عنهما..

فجاء خلق آدم خليفة، يخلف من سبقه، و خليفة على الأنوار بما أولاه فيها الله نور السموات و الأرض، فرأت الملائكة تشابها بين الطبيعة الجنية و الطبيعة البشرية، أنها حاجبة للأنوار و قاطعة للأسرار بين العباد و الملك الجبار.. (قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ) ..

و ليس هذا اعتراض كما ذكر بعض المفسرين و لا زيادة في القول و لكنها أنورا سارية، و هي بمثابة من يقول: أتجعل فيها من هو محجوب عن أنوارك فلا يحس بأسرارك، فهم عباد الله المكرمون لا يرضون أن يروا أحدا يعصي الله في الأرض، يستغربون كيف يعصي مخلوق من خلقه، و هو خلقٌ ممن خلق..

فالحق سبحانه جل شأنه و تعظم سلطانه: (قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) ..

فالسر هو أن الحق يعلّم الملائكة أول درس في الحقيقة في (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) في حقيقة خلق آدم عليه السلام..

الخليفة خليفة الله في أرضه، والروح من أمر الله و البشرية من خلق الله، فكيف يحجب مخلوق خالق، و كأن الحق يقول: كيف تحجبني طبيعة طينية أو نارية و هي من صنعي؟؟.. سبحان ربي لا إله إلا هو، هو الظاهر فلا شيء فوقه، و الباطن فلا شيء دونه، من قصده لا يحجبه عنه حاجب و لا يمنعه عنه ساتر، الحاجب من صنعه و الساتر من خلقه و الأمر كله من عنده، لو حجبه شيء لكان له حاصرا، و لو حصره لكان له قاهرا (وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ١٨)..

(قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢) فعرفت الخلق الملائكي في الأرض حقيقة الأنوار في خلق آدم، و عرفت أصل الأنوار السبعة من الذي انشقت منه الأسرار و انفلقت منه الأنوار، الذي ارتقت فيه الحقائق المحمدية، و تنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق الملكية..

(فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ٣٠).. سجدوا للحقيقة في لبها، و للأنوار في موطنها و للأسرار في أصلها، سجود إجلال و وإكبار للعلي القدير، سجدوا لرب آدم خارقين بشرية آدم، سجود التحية و الإكرام لخلق آدم راسخين في حقيقة الأنوار الحقية و المواهب الرحموتية في نور الروح في آدم و نور الرسالة في آدم و نور النبوة في آدم و نور العلم في آدم حتى تحقق نور الآدمية في الخليفة آدم و لبى آدم بنور الحمد فأشرق فيه نور البسط ..

اكتملت الأنوار الحقيقية المحمدية بثبوت الروحانية في البشرية.. فمن شاء فليومن و من شاء فليكفر.. اللهم صل على من انشقت منه الأسرار و انفلقت منه الأنوار.. و فيه ارتقت الحقائق و تنزلت علوم سيدنا آدم فأعجز الخلائق، و له تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق و لا لاحق....

فلنمسك البيان و نقبض اللسان فيما لا يطيقه بعض الإخوان.. و الله المستعان..

(إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ ٣١) و في آية أخرى: ( إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤)

أبى في اللغة رفض وامتنع، و لكن على الأنوار المحمدية: أمتنع عن طواعية و اختيار، و اختار الإنكار و الوقوف مع الأكدار بثبوت الأغيار و عصيان أمر الواحد القهار..

فكلمة أبى تدل على أن هذه الأنوار ثابتة في هذا المخلوق من نار، أنوار الامتثال.. و سكون الروح.. الخوف من الله.. و المعنى أن الله عز شأنه و تعزز حكمه رزقه إمكانية هذه الأنوار بإثبات أصولها.. و إلا فما كان لله أن يحاسبه إلا على ما أعطاه و رزقه (لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ)..

فهذا المخلق المبلس غره النظر إلى نفسه فوقع له قدح في بصيره و طمس نور سريرته، فأورثه الكبر، و الكبر صفة خاصة بالحق، محرمة على الخلق، فانتكست فيه أنوار الحقيقة، و حجبته الجرمية النارية عن الأنوار في الحقيقة البشرية، فنطق بلسان الطمس: (قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ ١٢) الأعراف.. فأثبت لنفسه بنفسه البعد بعد القرب، و الجفاء بعد اللقاء، و السلب بعد العطاء.. نسأل الله السلامة و العافية من الطمس و أهله، و الشيطان و خيله و رَجله...

و في هذا كفاية لمن سبقت من الكريم العناية، و في هذا إشارة لمن تدبر العبارة، فمن تدبر القرآن خرج من سجن الحجة و البرهان، إلى جنات الشهود و العيان.. (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ) محمد .. (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢).. النساء..

فمن عرف الله استحال أن يعرف معه غيره، و من وقف مع الغيرية، حجبته بالكلية.. كان الله و لا شيء معه و هو الآن على ما عليه كان..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire