و ج²عل بينكم مودة و رحمة..

و لا يمكن أن نذكر فقه المعاشرة على الأنوار المحمدية دون أن نذكر استمداده من كتاب الله و سنة رسوله..

قال تعالى في سورة الروم: (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢١)

هذه الآية العظيمة شرعت في علم النفوس ما يجب أن تجرد له أقلام و همم، و إن مر عليها البعض مرور الكرام اكتفاء بتحقيق ما ورد فيها على العموم لا الخصوص، لكن السر في المساواة بين الأنفس في الإمدادات الربانية لها، و تلك آية من آيات الله العزيز الحكيم الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجا، و ليست الغاية فقط أن حواء من آدم، و لكن الغاية و الآية العظيمة أن الله خلق من نفس الزوج زوجه، الرجل زوج المرأة و المرأة زوج الرجل بدليل قوله تعالى: (فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ)..

فنفسية الزوجية في بني آدم ليست كمثلها زوجية، و عموم النفسية في بني آدم موحد و متساوي بدليل قوله تعالى: (لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨)..

أما سر المددية وعنصر التقوية في الزوجية من الأنفس على مراتب ثلاث كما ورد في نص الآية الكريمة : التساكن و المودة و الرحمة (أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ)، و قد ربط الجليل بينهما بسياق رفيع لا يقدر عليه إلا رب البرية و لا يعرف حقيقته إلا رسول البشرية..

* التساكن، قال تعالى: (لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا) و لم يقل لتسكنوا لها أو بها، لأن حقيقة السكون و التساكن لا تكون إلا لله وحده و لا تكون إلا به سبحانه.. و لكن سببية التساكن جعلها الجليل بين الزوجين، كقول الرسول الكريم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.. و كقوله صلى الله عليه و سلم: من لم يشكر الناس لم يشكر الله...

فالحق جل و علا جعل سببية السكون بين الزوجين و بالطاعة فيه يكون السير في السكون إلى أن يصل الزوجين إلى حقيقة السكون التي لا تكون إلا لله (۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٣).. أما إذا أردنا مراجعة حقيقة هذا السكون في الزوجية و ذلك بإحالته على الأنوار المحمدية الشريفة و هو كما يلي:

 

فضوابط السكون و التساكن الحقيقي المطلوب بين بني آدم مؤسّسٌ له بين الزوجين كما وردت به الآية الكريمة، فإن حصل التساكن بين الزوجين كان مقدما لحصول التساكن في الأسر و العوائل، و إن كان كذلك سهل نواله في المجتعات و الأمم، فتشريع التساكن بين الأفراد مطلوب و لا بد من تأسيسه في الأسر، و سبق في الصورة تبيان أنوار حصوله، أما نقيض الأنوار فهي معوقات تحصيله، فعلى علماء الاجتماع الانكباب على دراسة ما يقيمه من أنوار و ما يعيقه من أكدار...

و يبين الحق جل في علاه من خلال الآية الشريفة ما يعين عليه حسب الترتيب في الآية و ذلك قوله جل في علاه: (وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ ) فبين الزوجين جعل الكريم بفضله آليتان لبناء هذا التساكن و هما المودة و الرحمة، و ما جنح عن الصواب من المفسرين من قال هما اللذة و ثمرتها من الأولاد، و ما جنح كذلك من ذهب أبعد من ذلك من أهل الحقيقة من تساءل: هل تُخِلُّ هذه المودة بين الزوجين بمحبة الحق أم لا.. فقال سهل رضي الله عنه: لا تضر الروح.. لقوله صلى الله عليه وسلم:" حُبب إلي َّمن دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة... " فذكر النساء، إذا كان على وجه الشفقة والرحمة، لا على غلبة الشهوة.. وعلامة محبة الشفقة: أنه لا يتغير عند فَقْدها، ولا يحزن بفواتها..

و قال ابن عربي: رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل، وربط الشكلَ بالشكل، وجعل سكونَ البعض إلى البعضِ، وذلك للأشباح والصُّورَ، والأرواح صحِبت الأشباح كرهاً لا طوعاً، وأما الأسرار فمُعْتَقَةٌ، لا تساكن الأطلال، ولا تتدنس بالأغيار.

و هذا الصواب و هذه الحقائق، فإذا طرحنا سؤالا: هل يصح تحقيق ما شرعه الحق و أثبت تشريعه رسول الحق؟؟ الواقع أن الزيادة بعد الكمال نقصان، و أمر الخصوص لا يعتبر عند العموم، أما أمر العموم فمعتبر به عند أهل العلوم ، لذلك كان الأخذ بالأسباب تحقيق مع مسبب الأسباب العزيز الوهاب، و الله يقول الحق و يهدي إلى الصواب.. فالسكون و التساكن في الزوجية كرم منه سبحانه و إمداد، و مدد هذا التساكن في المودة و الرحمة.. و إن شئت قلت أن المودة و الرحمة دعامتا هذه اللبنة الزوجية التي هي التساكن، التي إن تعوقت في التشريع الجزئي كانت أبعد ما تكون عنه في التحقيق الكلي.. (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢١)..

و لقد سبق أن رأينا معا كلمة ( لتسكنوا) على الأنوار المحمدية فلننظر معها كلمتي ( مودة و رحمة) و هذه الصور إن شاء الله تعالى:

لعلي أطلت في الموضوع و الواقع أنه يلزمه بحث حقيقي حتى تستبين أنواره و أكداره و يستدل عليه بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..  و لا أرى المرور مواتيا دو التطرق إلى الأشخاص التي تقوم عليها هذه الأنوار وتنتفع من هذا السلوك ولذلك خلقت، وهي التي جاءت في مستهل الآية الشريفة: ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ (الآية).. فعناصر التكليف هنا هي الرجال والنساء.. فمشروط أن تعرف أنوارهم (وهي مؤهلاتهم الربانية في التكليف) حتى تحقق مهامهم ويحملون عليها والقانون الرباني يقول: لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire