في معنى بعض الكلمات السريانية في كتاب الله تعالى ..

توجد في كتاب الله العزيز كثير من الكلمات السريانية، بعض من المفسرين العاديين جهلوها و لكن لا أحد من العلماء بالله غاب عنهم منها ما ظهر من المعاني الباطنة، أما باطن الباطن فلا يعلمه إلا الله..

و لنأخذ على سبيل المثال بعض من هذه الكلمات لنرى معانيها على الجدول السالف الذكر..

فمثلا كلمة (ربانيون) كقوله تعالى: لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ٦٣ .. و قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩)

قال ابن كثير في قوله تعالى: وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩) أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين، قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد أي حكماء علماء حلماء.. وقال الحسن وغير واحد : فقهاء.. وكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس . وعن الحسن أيضا يعني أهل عبادة وأهل تقوى ..

و قال الجوالقي: أن العرب لا تعرف (الربانيون) و غالب هذه الكلمة عبرانية أو سريانية، قال سيدي عبد العزيز الدباغ أن أصل هذه الكلمة سريانية و هي مكونة من ثلاث كلمات: (ربا) و (ني) و (يون)..

فإذا أحلناها على المعاني نجد:

(ربا): تدل على الخير الساكن في الظاهر كما في الباطن، و الذي لا يدرك إلا بالتذلل للعزيز الذي لا عز إلا عزه، فيعز عبده عزا لا يذل لغيره أبدا..

(ني): يدرك العبد هذا الخير و هذا السر فيلبسه حياء و هيبة و وقارا..

(يون): و هذا العلم و هذا الخير متفاوت حسب المقامات و متعلق بالمكونات و المخلوقات، و أصله من النور الأصلي الساكن في الذات المنبثق منها..

لخص سيدي عبد العزيز هذه المعاني في كلمة واحدة قال: هو العلم الذي يعلمه الله للمتقين بدون تعلم.. يعني هو العلم الموهوب، يعني هو علم الأتقياء و فهم الأولياء و لباقة الحكماء الذين لزموا مقامات العبودية و العبدية و التزموا بها.. و لذلك يجب علينا أن نقول: اللهم أني أسألك بغناك و فقري و قوتك و ضعفي و عزتك و ذلي و كرمك و بخلي، و كل ما وصفت به نفسك من الكمال و كل ما أقمت فيه عبيدك من النقصان، و ما أوجدت له من الرأفة و الرحمة و التوجه يا حنان يا منان..

فالكريم إذا جاد على عبده بسط له في طريق معرفته حتى يصل بذلك إلى مراقي العرفان و الإحسان و الاطمئنان..

فإذا رجعنا إلى معنى الكلمة في الآية فالرسل عليهم السلام يقولون: (كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ) يعني اعرفوا الله حتى تعبدوه كما يجب، و تعلموا عن الله حتى تتقربوا إليه كما يحب، و من هنا يظهر التضارب بين العلم بالنفس و العلم بالله، فكم من عالم في أمور الدنيا كان أبعد الناس عن معرفة الله كما قال تعالى: ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ١٠٤ ..

فمن سره أن يكون ربانيا حقيقيا، و بما أن الكلمة السريانية جاءت في كتاب الله فيصدق عليها حكم الحرف القرآني فلننظر كلمة ( ربانيون)..

فيها سبعة أحرف اثنان من البسط الراء و النون و اثنان من الرسالة الباء و الواو و حرف من القبض هو الألف و واحد من النبوة و هو الياء، فيكون السلوك في الأنوار على الترتيب كما يلي:

على من أراد أن يتعلم من علم الله المخزون الذي يعلمه لعباده الصالحين الربانيين فليلتزم بشروط أنوار الحروف و هي كما يلي:

* حسن التجاوز، و معناه المرور بالمقامات و الأحوال بالرضا و القبول.. (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ
هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ
)

* سكون الروح في الذات سكون المحبة و الرضا، و يكون ذلك بقبول ما أقامك فيه سيدك و مولاك.. (رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٢٢)

* امتثال أوامر الله و اجتناب نواهيه في الوقت و الساعة و الدقيقة و اللحظة.. (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢)

* الفرح بما جاءك من الله يقينا منك أنه لا يفعل ربك إلا خيرا (قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ ٩١)..

* الخوف التام منه سبحانه و ذلك في عدم ائتمان مكره (فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩٩)

* الموت في الحياة عن الشهوات و الملذات بالنفس حتى يكون الفعل بالله و لله (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٥٤)..

* الفرح الكامل، و هو آخر الشروط، و هو الفرح بالله عما سواه لا من حيث العطاء و لكن حيث أنه المعطي و لا من حيث النعمة و لكن حيث أنه المنعم.. وهذا النور مكرر فالأول للفرح بالله والثاني للتوفيق بالله إلى الفرح به سبحانه...

و هذا يعتبر من آداب السلوك للوصول إلى مرضاة ملك الملوك، و من أكرمه الله بشيخ جليل فهو يوصله بكل سهولة إلى هذا التحصيل، و إلا فليسلم الأمر لأهله، و ليستلم لعلم الله و ليتذلل لقدرة الله و ليسر بالله في سنة رسول الله، فالعناية الربانية لا تخطئه مصداقا لقوله تعالى: (وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ
شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١١
)

و بهذا القياس يزول الالتباس في كثير من الكلمات السريانية الواردة في كتاب الله العزيز مثل: ( يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٤٢ ) فكلمة ساق سريانية، و معناها الجد ضد الهزل..

و كلمة أسفارا: (مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ).. فهل هي كما أخرج ابن الحاكم عن الضحاك هي الكتب القبطية أو من السريانية كما قال الواسطي، فإنها من اللغة السريانية و معناها: تلك محاسن الأشياء التي ليست في طوق البشر..

و معنى كلمة رهوا من قوله تعالى: (وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ ٢٤).. فكلمة رهوا سريانية.. قال ابن عباس رضي الله عنه: طريقا.. و قال كعب و الحسن و ابن عباس أيضا: سمتا.. و الضحاك و الربيع: سهلا.. فإذا أحلت الكلمة تجد كل ما قالوه صحيحا، و معناه بالجملة عناية الله ترد الصلب لينا و الصعب سهلا و البحر يبسا...

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire