في بيان الفرق بين التاء المبسوطة والمربوطة..

و نأخذ مثالا آخر في كلمة (كلمة) في ربط التاء و بسطها رغم أن أصل التاء الربط عند النحاة، فنجدها مبسوطة أحيانا في كتاب الله فالسر في ذلك هو أن التاء المربوطة لها حكم الهاء أما المبسوطة فلها حكم التاء، فالأولى من حروف القبض و تدل النفرة عن الضد و أما التاء المبسوطة فمن حروف الآدمية و لها كمال الحواس الظاهرة و هذا مثال لذلك:

قال تعالى و هو أصدق القائلين في سورة الأنعام: (وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١١) و معنى: كلمت ربك هنا حكم ربك و حكمته و علمه فيما قضى و قدر و لا مبدل لحكمه، و لذلك جاءت التاء مبسوطة تنبه إلى فتح الحواس الظاهرة للوعي بهذا الأمر كما قال تعالى: لا مبدل لكلمات الله.. و جاءت كذلك بنفس السياق منبهة إلى كمال الحواس الظاهرة من قوله تعالى في الأعراف: (وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ
رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ
) و في سورة يونس من قوله تعالى : (كَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوٓاْ أَنَّهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٣٣ " و كذلك في نفس السورة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٩٦) فكلها تدل في هذه المواقع على نفس المعنى و نفس الحرف الآدمي الذي هو كمال الحواس الظاهرة..

و نفس الكلمة جاءت في مواقع عدة بالتاء المربوطة كقوله تعالى من سورة آل عمران: قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ فجاءت هنا لها حكم الهاء و هي من حروف القبض و نورها النفرة عن الضد و الفرار من النقيض، و ذلك ما يوضحه باقي الآية من قوله تعالى: أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡٔٗا(الآية)... فعبادة الغير هي الضد و النقيض، و الأصل هو عبادة الله الذي لا إله إلا هو، (وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ).. فاتخاذ الغير ربا ضد و نقيض للحقيقة و للأصل، و يجب الفرار منه إلى الأصل الذي هو اتخاذ الرب ربا لا إله غيره و لا رب سواه..

و كذلك جاءت بنفس النور في جوهر الحق في باقي المواقع الربانية و الدلالات الرحمانية، كقوله تعالى في سورة التوبة: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٠) ففي كلمة الذين كفروا ثبوت الحاسة و النور في الأمر و النهي بموجب رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و نقضه بالنفرة إلى الضد و ليست عن الضد، أثبتت لهم الكفر و العياذ بالله، و أما في كلمة الله، فبحكمة الله تثبت لهم هذه النفرة بعزته سبحانه، بجعل كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا السفلى، و لذلك يبين الحق بعدها مباشرة عزته و حكمته في قوله و هو أصدق القائلين(وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)..

و كنت أود أن ألقي نظرة على الأنوار في الحروف و الأسرار ردا على هؤلاء المجسمة و الحشوية الذين تناولوا بعض كلمات القرآن على حسب الأهواء و جعلوا للحق يدا و استواء و ما إلى ذلك سبحانه سبحانه عز شأنه و تعظم سلطانه (تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا).. (كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا ٥) و لولا نهي أئمة المذاهب عن الخوض في ما سكت عنه السلف الصالح لأوضحنا من هذه الأنوار و لتبين أن لا علاقة لها بما اعتمدوه و حملوه على ظاهر الكلمات في قوله تعالى : وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧) و قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ..

و أرى واجبا التذكير بما ورد عن أئمة المذاهب و أئمة المتقين في هذا الصدد.. أو نكتفي بقول إمامنا مالك رضي الله عنه، قال: الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، و ليس كما قال متشبهة آخر الزمن : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، بل نتحداهم في إيجاد السند سواء كان بالقوة أو الضعف..

و المعنى أن أي الكيف من صفات الحوادث و صفة الحق هي القدم، فلا يجوز في حقه أن يقال كيف هو.. فقال رضي الله عنه الكيف غير معقول، و قال: و الاستواء غير مجهول، أي أنه معلوم عند أهله ممن سقاهم الكريم بأنوار كتابه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم، فالإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة و محدثة و ضلالة، لأن الصحابة كانوا عالمين بمعناه اللائق به على ظهور الأنوار شهادة أو على سدول الأستار غيبا، فلا الذي علم أباح الأسرار و لا الذي جهل تطاول على المستور.. فالإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة..

و على هذا يكون القياس، فسبحان ربي ما أعظمه، خلق الخلق و قومه، و أنزل الكتاب و أحكمه، و نبه الإنسان و علمه، و سبيل النجدين هداه و ألهمه، لا إله إلا هو و لا رب سواه، و لا مقصود غيره و لا معبود سواه..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire