في قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ..

الحق لا يدل إلا على الحق و لا يدل إلا بالحق..

الحق سبحانه تبارك اسمه و تعالى جده و لا إله غيره، لا يأتي منه سبحانه إلا ما يليق بكمال جمال جاهه العظيم، و لا يخبر جل في علاه إلا بما يدل على عظمة بهاء نور وجهه الكريم، فإن قال الحق (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ) .. فلننظر إلى عظيم صنع الله في خلق آدم عليه السلام و جعله (خليفة) قال تعالى و لا مبدل لقوله: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ)..

كلام المفسرين الذين اعتمدوا أقوال الصحابة رضي الله عنهم كانوا دائما على نور من الأنوار المحمدية الشريفة، فإذا قارنا أقوال الصحابة مع الأنوار الشريفة نجد أن تأويلهم لم يكن إلا مبنيا على نور على الأقل فلنراقب معا كيف شرب السلف الصالح هذه القواعد النورانية من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و نبدأ بكلمة (خَلِيفَةٗۖ ) و بعد ها ننظر ما سوف يكرمنا الكريم بما سبقها من الكلمات الدالة حتى يتبين لنا أن كلام الله هو كلام الله و فقط قال تعالى: ( قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ٨٨) الإسراء ..

قال المفسرون (خليفة) كقولك: خلف فلان فلانا في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده ، كما قال جل و علا: (ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ١٤) يونس.. فالخليفة يخلف من سبقه، و قال ابن إسحاق في تأويل الخليفة: ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلقا ليس منكم..

و عن ابن عباس أنه قال: أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا.. قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة , فقتلهم إبليس ومن معه , حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها , فلذلك قال تعالى: (إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ) ..

و قال الربيع ابن أنس: إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة , فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء وكان الفساد في الأرض..

و عن ابن مسعود وابن عباس: إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه.. وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه ومن غير آدم ومن قام مقامه في عباد الله ; لأنهما أخبرا أن الله جل ثناؤه قال لملائكته إذ سألوه : ما ذاك الخليفة : إنه خليفة يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . فأضاف الإفساد وسفك الدماء بغير حقها إلى ذرية خليفته دونه وأخرج منه خليفته..

يقول الطبري: وهذا التأويل وإن كان مخالفا في معنى الخليفة ما حكي عن الحسن من وجه، فموافق له من وجه.. فأما موافقته إياه فصرف متأوليه إضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء فيها إلى غير الخليفة.. وأما مخالفته إياها فإضافتهما الخلافة إلى آدم بمعنى استخلاف الله إياه فيها.. وإضافة الحسن الخلافة إلى ولده بمعنى خلافة بعضهم بعضا، وقيام قرن منهم مقام قرن قبلهم، وإضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء إلى الخليفة..

فلننظر إلى أنوار الكلمة و نحلل بعدها ما يمكن تحليله على ضوء الحرف من كلمة (خليفة)

الخاء: من حروف الروح و تعني الذوق للأنوار و فتحها من المشاهدة الكاملة..

اللام: من حروف الرسالة و تعني العلم الكامل و خفضها من كمال الحواس الباطنة..

الياء: من حروف النبوة و تعني الخوف التام من الله عز و جل و هو مقبوض في الميل إلى الجنس..

الفاء: من حروف العلم و تعني الحمل للعلوم و فتحها بالسكينة و الوقار..

و التاء: و هي بمثابة الهاء و هي من حروف القبض و تعني النفرة عن الضد و نصبها من حياة أهل الجنة..

و الحاصل أن الحق جل في علاه يدل على الأنوار التي يتكون منها هذا المخلوق: (الخليفة)، فسوف يتوفر على أنوار خمسة أساسية و هي التي أخبر الحق بها و هي:

نور الروح و نور الرسالة و نور النبوة و نور العلم و نور القبض، فهي خمسة أنوار، إذا دخلت على هذا الجسد من صلصال كالفخار أوجدت فيه نور الآدمية، و أما نور البسط فيبقى متوقفا على التزام هذا الآدمي بنور الرسالة.. فلنراجع كل نور على حدة..

نور الروح.. قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ ٢٨ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ٢٩)ص .. فالروح مخلوق رباني لا يكيف بشكل و لا يعبر عنه بكلام، و هو الخلق الأول و منجذب إلى الحق بطبيعته و ناظر إلى الأصل بحقيقته.. فيجب أن يبقى مفتوحا إذا وضع في الجسد حتى تنعكس عليه المشاهدة الكاملة، فالروح في مشاهدة الحق على الدوام، فمتى منعت الروح من هذه المشاهدة وقعت الكثافة للجسد و لم يبق للروح وساطة في التبليغ النوراني فتطمس البصيرة و تقفل السريرة..

نور الرسالة و هو النور الثاني في الخليفة، و هو ممثل العلم الكامل، و هو الذي تشرق به الحواس الباطنة فيكون العلم حقيقيا و ذلك ما كان في حق آدم عليه السلام في قوله تعالى: (وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبُِٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢) البقرة.. فإن كان نور الروح هو الذي سبق من الوجهة الروحانية فنور الرسالة هو السابق من الوجهة البشرية، فما خُلق الثقلين إلا من اجل هذه الرسالة و ما توجهت الرسالة إلا لهما، و دليله في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦) قال ابن عباس: إلا ليعرفون، فنور الرسالة هو أساس نور الآدمية قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا ١٥) و قال تعالى: (إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا
وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ ٢٤
) فاطر..

نور النبوة و هو النور الوارد في الحرف الثالث الممثل في ياء (خليفة) المشرق بنور الخوف التام من الله عز و جل و هو مقبوض بعدم الحياء من قول الحق في البشرية، فإن كان نور الرسالة أبلغ في الرسوخ و أسبق في الآدمية فنور الآدمية أوسع في التبليغ و أقرب للآدمية، لذا كان نور النبوة أداة نورانية لترسيخ نور الرسالة في نور الآدمية، مثال ذلك في نور الرسالة في قوله تعالى: (۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ) المائدة .. و أما في نور النبوة ففي قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١ وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا ٢ وَتَوَكَّلۡ
عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيل
ٗا ٣) الأحزاب ..

و أما نور العلم فجاء رابعا في الترتيب و جاء ممثلا بالفاء في الحمل للعلوم و يبقى فتحه بالسكينة و الوقار، فكان بفضل الله على آدم أن أكرمه بهذا النور بعد نور الرسالة و نور النبوة بغير حول منه و لا قوة، و هو نور ذي شعب إذا سقي بع العبد صار به عالما و إن لم يكن عاشر أحدا من المخلوقات قبل ذلك الحين و هو نور رباني و اسم صمداني سوف نتطرق له في بابه بحول الله و حسن توفيقه، و هو من أنوار الأساس في خلق آدم كما سبق ذكره قال تعالى: (وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبُِٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٢ قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ ٣٣)

فكان نور العلم في الآدمية نور أصلي، و سوف نفصله على ضوء شعبه النورانية حسب الحرف القرآني وعلى الأنوار المحمدية الشريفة..

أما آخر الأنوار من أنوار الأساس في الآدمية في كلمة (خليفة) فهي التاء و سبقت الإشارة أن لها حكم الهاء و هي مشرقة بنور القبض و ممثلة لنور النفرة عن الضد و مفتوحة على حياة أهل الجنة، فلذلك عندما اكتملت الأنوار الأربعة السابقة في خلق آدم عليه السلام، و هي كما سبق ذكرها، نور الروح و نور الرسالة و نور النبوة و نور العلم، و كانت الأنوار في تمامها كان أمر الله في قوله سبحانه: (وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٥) البقرة..

فنزل نور القبض هنا لصيانة سر الله في الأنوار الأصلية السابقة..

و من يتتبع معنا هذه الأنوار فهو يجد أن نور البسط مفقود ظاهرا على مستوى الحرف في كلمة (خليفة) و المقصود به و منه هو ثبوت النعم بالدلالة عليها..

و من بحثه باطنا يجده داخلا في نور الرسالة و قد سبقت الإشارة إليه و هو الذي يدل على نعم الله و ما يلزمها و النظر فقط إلى حروفه يكشف له المستور و يظهر له النور، فحروف البسط ثلاثة، الراء و السين و النون، و من تدبر قوله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧) الأنبياء .. يجد نور البسط باطن في نور الرسالة حيث ما كانت، فمن تدبر يجد أن هذه الأنوار هي سبعة بتمامها و كمالها و لكنها مجموعة بحكمة بالغة و لطف محكم و قدرة باطنة و علم محيط و جمال رفيع و جلال بديع، فتبارك الله أحسن الخالقين، لا يقبض عن الأكدار إلا من أسلم و لا يشرف على الأسرار إلا من آمن و لا يشرب من الأنوار من استسلم و أحسن و إلى القدرة اطمأن قال تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٢٢) الزمر..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire