معضلة الزنا..

في الواقع لا يمكن أن نذكر فقه المعاشرة على الأنوار المحمدية دون ذكر أكبر معضلة فيه و هي (الزنى).. و الجميع يعلم ما وصل إليه المجتمع العالمي و لم يسلم منه حتى المجتمع الإسلامي.. قال تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا ٣٢)

و الجميع يعلم ما هو الحد في الزنا بالنسبة لغير المحصن و بالنسبة للمحصن، و ما هي الأنوار التي عالج الحبيب صلى الله عليه و سلم بها هذه الآفة و هذه المعضلة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية الخطيرة، أو إن شئت قلت هذه الكارثة، أو بلغة السنة المحمدية هذه الفاحشة..

اعتبر الحق سبحانه الزنا فاحشة، و ذكر الحق ما يترتب عن هذه الفاحشة في قوله تعالى: (وَسَآءَ سَبِيلٗا ).. و الحق سبحانه يقول في آية أخرى عن الفاحشة في سورة الأنعام: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ) و في سورة الأعراف: (قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ).. و الآيات كثيرة و كلها محاطة بأنوار و أسرار حيث ما وقعت..

أما إذا نظرنا إلى الآية الشريفة من حيث الأنوار فإننا نجد بنيانها مرصوصا و محكما و إذا أردنا أن نسمي تقييم هذا البنيان نوع من الإعراب كما هو إعراب اللغة فمعنى حرف النهي ( لا) من الآية الكريمة: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ) عدم الغفلة عن أمر الله.. ومن وعى هذا يفهم أن الخطب جلل فلا يجب الغفلة عنه.. يقول صاحب الحكم : من لم يقبل على الله بملاطفات الإيمان قيد إليه بسلاسل الامتحان.. أما الواو قبلها فهي للعطف أو الترتيب كما يقول النحاة و لكن على الأنوار بمعنى: الموت في الحياة وهو التزام الأمرأو الفناء فيه..

فالإخبار هنا في الحث عن عدم الاقتراب من الزنى.. قال تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ).. فعدم الاقتراب من الزنى نور في حد ذاته، و هو إنما يدل على أن للزنى مقدمات إن وقع العبد فيها فكأنما وقع في الزنى، و هذا فعلا ما نورت له السنة المحمدية الشريفة في قوله صلى الله عليه و سلم: ( تزني العين كما يزني الفرج) أو قوله صلى الله عليه و سلم: ( ما اختلى رجل بامرأة لا تحل له إلا كان الشيطان ثالثهما) و الأحاديث كثيرة لا عد لها و كذلك تشريع السلف الصالح كمثل قول مكرم الوجع علي عليه رضوان الله: النظرة سهم من سهام إبليس، من حرمها علي نفسه منحه الله إيمانا وجد حلاته في قلبه.. فإذا قال الجليل جل في علاه: ( و لا تقربوا ) وجب علينا أن نعرف أنوار الاقتراب حتى تعم الفائدة..

هذه الأنوار التي تعين على الامتثال في القرب و عدمه، فالقرب صفة من صفات العليم الحكيم سبحانه بدليل قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ) و هو أمره تعالى للحبيب في قوله: (كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩) فإذا أردت أن تعرف مدى قربك منه فانظر إلى مدى استجابتك في عدم الاقتراب مما نهاك عنه، فإذا قال تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا) و قوله تعلى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ ) و قوله تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ) فهذا دليل على أن القرب منه سبحانه في عدم الاقتراب مما نهى عنه..

أما صفة قربه سبحانه فعلينا قهرية بعلمه و حلمه و حكمته و بجميع أسمائه، أما قربنا منه فهي إجبارية يجب الالتزام بها و حصرية يجب العمل عليها، فلا يمكن القرب منه و مما نهى عنه معا.. إذ حاشا أن يكون الاقتراب منه و من غيره معه فكيف حالنا من الاقتراب عما نهانا عنه..

و فيما دلت عليه الآية، فالجليل ينهى نهيا تاما عن الاقتراب من الزنى.. لأن الاقتراب من الزنى مُوقع في ظلماته و أكداره، و قد سبق ذكر ما ورد فيه من سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم.. أما معضلة أو كارثة أو فاحشة الزنى فمطفئة و مدمرة لأنوار لا تستقيم دعائم الإيمان إلا بها.. و لا بد هنا من مراجعة سرٍّ لقراءة الأنوار في كلمة الزنى..

سبق التنبيه فيما سبق أن الجليل لم يأت في كلامه إلا كلما يليق بجلال بهاء نور وجهه الكريم و جميل عظيم جاهه العظيم.. و لذلك أننا إذا وجدنا في كلمة "كفر" أو "شرك" أو عصيان كيف ما كان نوعه، فالجليل جل في علاه ينبه إليها من خلال حقيقة أنوارها، و هذا معناه أن العليم الحكيم قد أنشأ في العبد أصل هذه الأنوار للدفاع عن ظلماتها و أكدارها و هذا هو السر، فإذا قال الجليل: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ) فمعنا ذلك أنه سبحانه أوجد في العبد حقيقة أنوار المعرفة ثم بعد ذلك أنوار الدفاع ، و هذا معنى قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا ١٥ ).. فحجة الوعظ لا بد أن ترافقها بينة الأنوار، و ذلك الذي يرفع الهمم، و هذا معنى الأنوار الواردة في كلمة ( الزنى).. فإذا سأل سائل و قال هل للزنى أنوار نقول له نعم هي أنوار التخلص منه و عدم الاقتراب منه، و الجليل لا يأتي منه إلا كل كامل و حاشا أن يأتي منه كدر و هذه أنوار الكلمة..

فإذا وجدت في العبد هذه الأنوار المحمدية فاعلم أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقرب الزنى من قريب أو بعيد، أو إن شئت قلت إذا أراد الراعي سواء كان في البيت أو الأمة أن يقضي على آفة الزنى فعليه أن يقضي على مسبباتها و هي الأكدار التي تقوم على غياب الأنوار...

و الزنى كما بينت لها الآية الشريفة هي (فاحشة) .. و الفحش في اللغة هو القبيح من القول و الفعل، و في الشرع كل ما اشتد قبحه من الذنوب و المعاصي، و كثيرا ما ألحق هذا الوصف المشين بجريمة الزنى..

أما على الأنوار فهو وصف مترتب على فعل الزنى، و ذلك معنى قوله تعالى: (إنه كان فاحشة)، و هذا توكيد على حصول الفاحشة.. فهذه الكلمة تدل على فقدان أنوار ما يكون للعبد العادي أن يتركها تضيع منه، فبالأحرى العاقل أو المؤمن.. و هذه أنوار الكلمة..

و أود هنا أن أقف مع خطورة ما يترتب من هذه الكلمة الدالة، و المعنى أن العبد الزاني لا بد و أن تضيع منه الأربعة أنوار المترتبة عن حروف الكلمة و هي واضحة في الصورة، و هذا النوع من البحث الذي يجب وضعه أمام أهل الاختصاص سواء من علماء الطب العضوي أو النفسي أو علماء الاجتماع..

فالزاني يفقد نور الفاء الذي هو حمل العلوم و من ذلك قول إمام الشافعية رضي الله عنه في قوله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصـــي

و قال لي إن علـم الله نــــــــــــــــــــــــــــــــور و نـور الله لا يهدى لعاصـي

و الزاني يفقد نور الحاء الذي هو الرحمة الكاملة، و كيف تبقى رحمة فيمن يستعمل كل حنانه و رحماته في إسقاط غريمه في حبال الشيطان، فكذب من قال أن الزاني يرجى منه خير أو رحمة..

و الزاني يفقد نور الشين الذي هو القوة الكاملة في الانكماش، فإنه يتوكل به شيطان أحمق لا يرى إلا حاجته و لا يهتم بنظر الناس إليه فبالأحرى مراقبة الحق له..

و الزاني يفقد نور الهاء، و التاء المربوطة لها حكم الهاء في الأنوار و هي النفرة عن الضد، فكيف ينفر عن الضد من وقع في حبال الشيطان..

و هكذا نكون قد فتحنا أبوابا عريضة للبحث عسى الله أن يحفظ أبناءنا و بناتنا و المسلمين من هذه الآفة الخطيرة التي فاح نتنها في كل الدول و البلدان و بين جميع الفئات ذكورا و إناثا صغارا و كبارا.. نسأل الله السلامة و العافية..

و أرى ضروريا سرد ما تبقى من الآية و ذلك قولها تعالى: (إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا) و المعنى أن سبيل وطريق هذه فاحشة مستاء إلى النهاية، و لذلك كان الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم يقول: ( بشر الزاني بخراب بيته و لو بعد حين) و قد ورد في الحديث : (من زنا زني به ولو بحيطان داره) ولو تم تضعيف الحديث وقد رواه ابن النجار والديلمي عن أنس بن مالك، وأورده السيوطي في الجامع الصغير، إلا أن معناه صحيح يعلمه العلماء العاملون، ومن حكم عليه بالوضع يتهم عرضه وصدقه، وجاء ما يسنده عن ابن عباس مرفوعا: (ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته)، والمرأة الحرة العفيفة تعرف تمام العلم متى زاغت عين زوجها، وتعرف ذلك من خلال زيغ عيون الرجال عليها، وتعرف متى سقط عندما تساوم في عرضها ولو في الحلم... و قديما قال القائل:

إن الزنـا دين إذا أقرضــتــــــــــــــــــــــــــه **** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

من يزنِ في قوم بألفي درهــــــــــــــــــم **** في أهله يُـزنى بربـع الدرهـــــــــــــــــــــــــــــــــــم

من يزنِ يُزنَ به ولو بجــــــــــــــــــداره **** إن كنت يا هذا لبيباً فـافهـــــــــــــــــــــــــــــم

ياهاتكا حُـرَمَ الرجال وتابعــــــــــــــــــا **** طرق الفسـاد عشت غيرَ مكرم

لو كنت حُراً من سلالة ماجـدٍ **** ما كنت هتـّـاكاً لحرمة مسلــــــــــــــــــــمِ

و من أراد معرفة حقيقة الاستياء في السبيل فليحل الكلمتان على الأنوار المحمدية الشريفة و الله الموفق..

و لعلي أطلت الكلام في هذا الموضوع و إن تمهيديا ودعت الضرورة ، لأن الذي كان مقررا في البحث هو إعطاء نبذة بسيطة في كل علم من العلوم حتى يفهم منهج البحث وكيف تتناول العلوم على الأنوار المحمدية الشريفة و فيما يلي نبذة في الطب..

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire