رسم المصحف الشريف

   اعتُني كتاب الله تعالى بالكتابة و التحفيظ

   في كثير من الدول العربية المسلمة بالسند الصحيح المتصل عن الصحابة الأطهار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و إن كان في بعض دول آسيا في العقد الأخير حدث بعض التصحيف في رسم المصحف فإن ذلك لا يعتبر حجة، و في مقابل ذلك اعتنى المغرب العربي و بعض الدول الأفريقية عبر السنين و القرون بصيانة كتاب الله في القلوب كتابة و حفظا على الوجه المطلوب و النهج المحبوب كما ورد عن رسول الله و كما كتب في المصحف الإمام، و إن كانت الظاهرة لم يحظ برعايتها العموم من الحكام و المحكومين في السنين الأخيرة، فإن رعاية الخصوص من أهل الله قائمة خصوصا في المغرب و موريطانيا و السودان و في بعض الدول الأخرى فضلا من الله و نعمة، و إن طاقة بعض الزوايا للتحفيظ الحقيقي للقرآن الكريم من يفوق عدد أنفارها الألف في وقت واحد، و قد أغناهم الله بكتابه الكريم عن منح الدول والحكومات..

   فقط أردت التنبيه إلى نهج التحفيظ المستحدثة في بعض الدول، ذلك أن التحفيظ بالكتابة صعودا و نزولا، ثم تنقيحا و تلقيحا و ترسيخا أولى بالمحافظة على حفاظه في الصدور، أما حفظه بالمعاني الظاهرة دون مراعاة أسرار حروفه كما هو الشأن في بعض الدول، فالإمام مالك نهى نهيا تاما عن تضييعها و الإمام الشافعي حرم تغييره، فعلى العاقل أن يقيس فعله و يراقب سيره و يتقي ربه..

   و هذا بيان ما يجب المحافظة عليه كما وجد في المصحف الشريف، و إن لم يظهر للنحاة سر ذلك، فسوف نحاول بفضل الله من خلال الأنوار المحمدية الوقوف على بعض من سر ذلك حتى يتأتى للباحث على الأنوار المحمدية الشريفة أن يعرف الحقيقة في ذلك..

   جمهور مشايخ التحفيظ في المشرق و المغرب يحفظون ذلك عن ظهر قلب و لا يختلفون في شيء من رسم المصحف الإمام وهذا يرى ظاهرا للعيان من زار الزوايا أو الخلوات كما تسمى في السودان، كما ذهب بعض المشايخ الكرام إلى تدوين هذه الأسرار في كتب ننتخب منهم للفائدة الشيخ أبو عمر الداني في كتابه: المقنع في رسم مصاحف الأمصار..

   يقول الشيخ رضي الله عنه بعد ذكر سنده و ما سمعه من مشايخه رضي الله عنهم و أرضاهم من مرسوم خطوط مصاحف أهل الأمصار: المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام وسائر العراق المصطلح عليه قديما مختلفا عن الإمام مصحف عثمان بن عفّان رضي الله عنه وعن سائر النسخ التي انتسخت منه الموجّه بها إلى الكوفة والبصرة والشام، و سوف نحيل ذلك بفضل الله على الأنوار فيما بعد كما سبقت الإشارة إليه، و أرى من الضرورة نقل ما ذكره الشيخ ببعض ما تأتى إليهّ من الأخبار والسنن في شأن أهل المصاحف وجمع القرآن فيها إذ لا يستغنى عن ذكر ذلك، حتى يسهل على الباحث على الأنوار الرجوع إلى المختلف فيه من حروف و كلمات، و إن كان هذا سيطول، فالمتعطش إلى الأنوار المحمدية لا يبغي عنها بديلا، و لا يجد خيرا منها حجة و دليلا، فيقول في باب من جمع القرآن:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire